المبحث الثاني : قصة ملفقة عن معركة ذي قار
( على الذين يبحثون عن وصف معركة ذي قار المقارنة بين القصة الحقيقية والقصة الخيالية الملفقة )
نشر في بعض المنتديات قصّة خرافية ملفقة عن معركة ذي قار وهي أساطير من نسج خيال الحكواتيين الذين يؤلفون قصص خيالية وينتحلون شعر والتلفيق يشوه تاريخ العرب الصحيح وما جاء بهذه القصّة يخالف ما ذكره المؤرخين العرب في شرح معركة ذي قار فقد جاء في سياق القصّة ما يلي :
قال : وتقدّم أمامهم ظليم بن الحارث اليشكري وكان أسداً من أسود ربيعة وفرسانها ذو الباس والنجدة وشدة المراس وكان سنانه كأنه شعلة نار وقناته كأنها قامة فلاّح ويتوقد النصل في صدر القناة فعلمت صفية أنه سنان ظليم بن الحارث فأيقنت عند ذلك بالنصر والظفر وفرحت في لقائه مستبشرة بقدومه وهو قومه وأنشأت تقول :
هـذا ظليـم جاءكم في يشكـر *** بـالـقـب والـمـران والسنـور
كليث غابات مهوس مخـدر *** يا فارساً تحت العجاج الأكدر
هـذا ظـليـم من كـرام معشر *** اجـل هديت حمله المستنصر
قال وكان ظليم على أول خيله بينه وبينها غابة الفرس فلاح له بعير صفيه وهي تحث في لقائه وهي مسفرة معتجرة متلثمة بمحزة الرجال فقال : لها ما صنع شهاب فقالت لزم الثنايا وبذلك امرته قال : وما صنع أخوك قالت : أنه في الكريهة بنفسه قال : سيري أمامي فأنني لا اعرف مكانه من السواد وصاح بخيله فأحاطت به وحثت بعيرها أمامه وقالت :
اجل ظليم في العجاج الأسودي *** قعية عمرو كاهـزبـر الأربـد
يـضـرب بالـمشـطـب الـمـهـنـد *** بـسـاعـد ذي نـجـدة مـؤيـدي
أدرك فـأنـت غـايـة المستنـجـد *** واعد على القوم كمد والأسد
بـذي جـنـان كالصفـاء الأصلـد *** بالـيشـكـريـيـن كـرام المحتـد
فأجابها ظليم بن الحارث وأنشأ يقول :
أن ظليماً لـم يـعـد مـن غيـلان *** بـعـيـد لاع لـيـخـاف الأقــــران
لابد من ضرب يشيّب الولدان *** باستبشري اليوم بنصر شيبان
أن لم اجليها فعمري خسران *** واهـزم الجـمع واطـف النيـران
ثم أن ظليم بن الحارث جل بقومه في السواد وأمر قومه أن يرفعوا اصواتهم بصيحة غريبة عالية تطمئن بهم العرب ويقسموا بها شيئاً من عزم العجم ثم وضعوا فيها السيوف والرماح وفرجوا عن قومهم فرجة معروفة والتقى الجمع بالجمع واقتتلوا قتالاً شديداً وافترق القوم عن ضرب شديد وطعن عميد قال ولما افترق الجمعان افتقد عمرو اصحابه فوجد مقاتله قد اصيب منهم جماعة غير من اصيب من القوم قبل وكان عمرو يومئذ قد كلم بالجراح من القتال والسيوف قال : وإذا قد التقى ظليم وعمرو بن ثعلبة وتصافا وتسالما واستبشر عمرو بظليم وسرو سروراً عظيماً واقبل ظليم على عمرو يعاتبه إذا لم يرسل إليه بصارخ ثم قال يا عمرو أما ما فات من الوقايع الأولى فقد فات وأما اليوم فأقيمونا في أول اللقاء والآن نأتي معك وداخل فيما دخلت فيه وضامن لجوار من ضمنت وغير ذلك فجرأة عمرو خيرا وبرز ظليم بن الحارث بين الصفين ونادى البراز ثم حمل وقتل من مقاتلة العجم خمسة عشر فارساً في حال البراز ثم نام ظليم في ركابه ونادا الحملة محمل السواد واقتتلوا حتى حجز الليل بينهم وباتت ربيعة على أهنة من الجراح والتعب وجنود الملك جرح منهم ناس كثيرة وباتت بنو تغلب على الثنايا وهي متراصدة من حولها من جنود الملك وكانوا بني شيبان وظليم ومن معهم باتوا بذي قار دون اموالهم وحريمهم قيل وأن الطميح اراد أن يختبر رجال ربيعة فركب جواده في ليلته تلك وكان قد ظل بيده لواء الملك الأكبر وكان معه أولاد كسرى فتخلل الطميح إلى قبائل تغلب وصعد الثنية التي عليها أبا جدابة في الحي من بني جشم فأبصر الطميح أبا جدابة وتطرّف ليدنو منه فلما دنا منه وثب عليه ولوى بيده على عنان جواده قال من الآخذ بعنان الجواد قال أبو جدابه أما الفرس خيلنا وأما الرجل فهو من لعنة الملك من العرب فتعانقا وتسالما وقال الطميح يا أبا جدابة اخبرني عن شهاب فقال هو بثنيته وحده .
هكذا جاء في ذلك المنشور وهذه الأسماء لم ترد في قصّة حرب ذي قار عند جميع المؤرخين وهي مضافة دون مصدر .
ونشر تلفيق آخر في تخيّل قصّة خرافية عن : الشاعرة صفية بنت ثعلبة الشيبانية ذكر بعض من كتب عنها ونسبها تغلبية ومناسبة قصيدتها في أخيها يروى بأن كسرى أرسل في يوم إلى النعمان بن المنذر يريد أن يطلب يد ابنته لابنه، ولكن النعمان رفض أن يزوج ابنته من رجل ليس بعربي، وعندما وصل خبر ذلك إلى كسرى غضب غضبًا شديدًا وأرسل بجيوشه إلى النعمان وقام بقتله، فهربت ابنته والتي تدعى الحرقا من ديارها، وخرجت إلى بوادي العرب من دون أن يراها أي أحد فقام كسرى ببعث الكتب إلى رؤساء القبائل العربية بأنه إن قام أحدهم بإيوائها لسوف تبرئ ذمته منه، فخاف العرب من أن يأووها، وكانت عندما تدخل إلى قبيلة يتعذرون منها بهذا العذر أو ذاك، فمنهم من يقول بأن قبيلته سوف تنتقل إلى مكان جديد، ومنهم من يقول بأن قبيلته داخلة في حرب وبأنه من الخطر عليها أن تبقى عندهم، وهكذا رفضتها جميع القبائل العربية. فأخذت تنتقل من مكان إلى آخر وهي متخفية، خائفة حائرة جائعة حزينة، حتى وصلت في يوم من الأيام إلى قبيلة شيبان ، وكان رئيس هذه القبيلة في تلك الأيام فارس يضرب المثل في شجاعته ومروءته وهو عمرو بن ثعلبة الشيباني، وكان له أخت حكيمة تدعى صفية، وكان إذا أراد أن يفعل شيئًا يعود إليها قبل أن يقوم به، وعندما وصلت الحرقة إلى تلك القبيلة قابلت أخته وأخبرتها بما حصل معها، فغضبت صفية وقامت بجمع كل رجال قبيلتها، وأنشدتهم قائلة:
أحـيـوا الجـوارَ فـقـد أماتتـه مـعـا *** كـل الأعارب يـا بـنى شيبـانِ
ما العذر ؟ قد نشدت جوارى حرّةٌ *** معروسةٌ فى الـدرّ والمرجانِ
بنتُ الملوك ذوى الممالك والعُلى *** ذاتُ الجـمال وصفوةُ النعمانِ
اتهاتفـون وتشحـذون سيـوفَـكـم *** وتـقـوّمـون ذوابــل الـمــــرّانِ
وعـلى الأكاسر قـد اجرت لحـرةٍ *** بكـهـول معـشرِنـا وبـالشـبّـانِ
شيبـان قـومى هـل قبيـلٌ مثلهـم *** عـنـد الكفـاح وكـرّة الفـرسـانِ
إنـى حُـجـَيـجـةُ وائــلٍ وبــوائـلٍ *** ينجـو الطـريـد يناقة وحصانٍ
يا آل شيـبـانٍ ظفـرتـُمْ فـى الدنا *** بالفخر والمعروف والإحسانِ
وهكذا أجارت قبيلة شيبان الحرقة، وعندما وصل خبر ذلك إلى كسرى غضب غضبًا شديدًا، وقرر أن يعاقبهم، فقام بإرسال مجموعة من الفرسان إلى القبيلة لكي يؤدبوهم، ويعيدوا معهم الحرقة، ولكن مجموعة من فرسان القبيلة قابلت فرسان كسرى وقاتلتهم، فقتلوهم، وهرب من لم يقتل مرعوبًا مذعورًا، فأنشدت صفية :
أنا الحُجَيْجَةُ من قوم ذوى شرفٍ *** أولـى الحـفـاظ وأهـل العـز والـكـرمِ
قولوا لكسرى أجرنا جارةً فثوت *** في شامخِ العزِيا كسرى على الرُغُمِ
نـحـن الـذيـن اذا قـمنـا لـداهـيـةٍ *** لـم نبتـدعْ عنـدهـا شـيئـاً مـن الـنـدمِ
نـحـوطُ جـارَتـنـا مـن كـل نـائبـةٍ *** ونرفـدُ الجـارَ مـا يرضى مـن النعـمِ
ومن ثم بعث كسرى برسول إلى قبيلة شيبان وأخبرهم بأنهم إن قاموا بتسليم الحرقة إلى رجل يدعى منصور، وهو رجل عربي وأحد قادة جيوش كسرى، فإنه سوف يسامحهم على ما قد فعلوا، ولكن صفية ردت على الرسول قائلة : قـولا
لـمـنـصـورَ لا دَرّت خـلائـفـــــهُ *** ما صاح فيهم غرابُ البينِ أو نعقا
من زوّج الفرسَ يا متبولُ قبلكمُ *** مـن الأعـارب يا مخـذولُ أو سبقـا
يا ويـح أمـك يا منصـور ان لنـا *** خيْـلا كـرامـا تصون الجار ما عَلِقا
فمت بغيظك يامنصور واحيَ على *** بغضاك قومي وشمّرْ كل يوم لقا
آلت بنو بكرَ ترضى ما كتبتَ به *** يا ابن الدنيّـةِ فاجـملْ ان اردتَ بقا
فقام منصور بقتالهم، ولكنهم تغلبوا عليه، ومن ثم توجه عائد إلى الفرس وهو مهزوم، فقام كسرى بتزويده بعشرين ألف جندي، وعندما وصل خبر ذلك إلى صفية أنشدت قائلة : يا عمروُ عمروُ اجبنى يا ابن ثعلبةٍ *** يا شبـهَ بـرّاقَ يـوم القتـلِ والسلَـبِ
لأجـل عشرين ألفـا اُضـحِ صارخـةً *** في آل بكـرٍ وذا شـيء مـن العجَـبِ
لا تكشفوني بهـذا اليـوم وارتقـبـوا *** يومي لوقت اجتماع العجمِ والعربِ
وجهز القوم أنفسهم للقتال، وقاتلوا جيش المنصور، وتغلبوا عليهم، فتوجه عائدًا إلى كسرى وهو منهزم.
ويذكر أن المصدر: كتاب "الأغاني" تأليف ابو فرج الاصفهاني وكتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة وكتاب "مدخل لدراسة الشعر الحديث " إعداد إبراهيم خليل وكتاب " تطور الشعر العربي في العصر الحديث " تأليف حلمي القاعود وذكر في مؤلفات الشاعر والكاتب : فالح الحجية الكيلاني صفية بنت ثعلبة من بني شيبان ينتهي نسبها الأعلى إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان شاعرة جاهلية وتذكرني هذه الشاعرة وانا اكتب سيرتها الذاتية بمعركة( ذي قار) التي دارت بين العرب والفرس واسهام هذه الشاعرة الفعلي بهذه المعركة وادارتها وشد القبائل العربية للقتال والحرب فقد أسهمت إسهامًا كبيرًا في جمع قومها بني شيبان والقبائل الأخرى ليوقعوا بالفرس في (ذي قار) بقيادة هانئ بن مسعود الشيباني وكان أخوها عمرو بن ثعلبة على رأس الواقعة.
وكان من ا سباب هذه المعركة ان هند بنت النعمان بن المنذر وتكنى ب ( الحرقا) كانت مشهورة بجمالها البارع وحسنها الفريد .. وكانت أحاديث الناس حولها ويضرب الامثال بحسنها وجمالها حتى وصل خبرها الى كسرى فرغب فيها وتمناها لنفسه فأرسل إلى ابيها يطلبها منه للزواج فأنف النعمان أن يزوّجها من أعجمي ولوكان ملكا وهذه عادة العرب قديما ولا زالت موجودة في كثير من القبائل العربية حتى الان فاعتذر النعمان الا ان ( كسرى أبرويز) ملك الفرس غضب على (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة وقد أوغر صدره عليه زيد بن عدي العباديّ لأن النعمان قتل أباه عدي بن زيد. فلجأ النعمان إلى هانئ بن مسعود الشيباني فاستودعه أهله وماله وسلاحه ثم عاد فاستسلم لكسرى فسجنه ثم قتله. وأرسل كسرى إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه ودائع النعمان وكان من جملة ودائعه ابنته ( الحرقا ) التي ارادها (كسرى) لنفسه وابى (النعمان) ان يزوجها للاعجمي ولو كان الملك (كسرى) انفة فأبى هانئ من دفعها إليه دفعاً للمذمة فغضب (كسرى ) على (بني شيبان) وعزم على استئصالهم فجهّز لذلك جيشاً ضخماً من الفرس يقودهم (الهامرز) و (جلابزين) ومن قبائل العرب الموالية للفرس من تغلب والنمر وقضاعة وإياد وولى قيادة هذه القبائل (إياس بن قبيصة الطائي) وبعث معهم كتيبتيه (الشهباء) و(الدوسر).
فلما بلغ النبأ (بني شيبان) استجاروا بقبائل( بكر بن وائل) فوافتهم طوائف منهم واستشاروا في أمرهم( حنظلة بن سيّار العجلي) واستقر رأيهم على البروز إلى بطحاء( ذي قار) وهو ماء ل(بكر بن وائل) قريب من (الكوفة) فقد استجارت هند بنت النعمان وتكنى (الحرقة) بالشاعرة صفية بنت ثعلبة فأجارتها ورحبت بها وقامت لتعلن إلى قومها هذه الإجارة اليهم وما تعني هذه الاجارة من الحرب بين جيوش كسرى وبني شيبان تعني هذه الاجارة من الحرب بين جيوش كسرى وبني شيبان قالت الحُرقة هند بنت النعمان تشكو حالها :
ما كنت أحسب والحـوادث جـمّـةٌ *** أنـى أمـوت ولـم يَعـدنى العُـوّدُ
حـتى رأيت على ارومـة مـولـدى *** مـلـكـا يـزول وشـمـلـه يـتـبـددُ
وغشيت كل العُرْب حـتى لـم أجـد *** ذا مـِرّة حسن الحفيظة يـوجـدُ
مُوتى بُعَيـْدَ أبيـكِ , كيف حـياتُـنـا *** والموتُ فهـو لكل حـيٍ مُرصَـدُ
خاب الرجا ذهب العـزا قـل الوفـا *** لا السهل سهلُ ولا نجودٌ انجُـدُ
جمدت عيون الناس من عبراتها *** وقـلـوبـهـم صـمٌ صـلادٌ جـلـمَـدُ
كان ثعلبة الشيبانى شيخ القبيلة قد مات وخلفه ابنه الفارس عمرو بن ثعلبة الشيبانى .
وكانت شقيقته الكبرى صفية بنت ثعلبه هى حكيمة القبيلة وشاعرتها حيث كانوا لا يبرمون امرا قبل الرجوع اليها . وقيل كانوا يسمونها (الحُجَيْجَة) لقوة منطقها وكانت أبية النفس عظيمة المناقب رفيعة المآثر . ارسل كسرى كتيبة من الفرسان المدججين لتأديب بنى شيبان وانتزاع الحُرَقَة قسرا والعودة بها ولكن القبائل العربية ومن بني شيبان انبرت لكتيبة كسرى قتلا وذبحا واسرا .. فذعر العجم وفروا هاربين مدهوشين تاركين غنائم كثيرة.
ثم أن قواد جند كسرى ارسلوا رسوليْن الى بنى شيبان يطلبان اليهم أن تنزل الحرقة على طاعة (منصور) احد قواد كسرى وهو عربيٌ وسيبرئ الشيبانيين مما اجترموه وعندما قابل الرسولان صفية فأبت وقالت لهم: فهجم منصور عليهم بجيشه الا انه انكسر فعاد خائبا الى كسرى فأمده بجندٍ من العرب يعدون عشرين الفا فى أموالٍ كثيرةٍ ومؤن وافرة .
تأهب القوم للقتال وجاءتهم عساكر المنصور .. جلاد عظيم وكفاح رهيب .. الظالم فى عشرين الفا يقاتل المظلومين المنافحين عن شرفهم وكرامتهم .. معركة طاحنة انتهت بهزيمة المنصور وتفرق جيشة الجرار , وعاد الى كسرى منهزما. .
أمر كسرى الطميْح وهو من قواده العرب المعدودين ان يعد جيشا جرارا للإنتقام من العرب. ..احزن الطميح ان يهدر كسرى دماء قومه العرب ظلما وعدوانا فأرسل سراً الى بنى شيبان يعلمهم ويحذرهم من الآتى الرهيب أرسلت صفية
الشيبانية الى الطميح تشكر له نصحه وتحذيره قائلة:
لـلـه دَرُّك مـن نـصـيـحٍ صـادقٍ *** والنصحُ رأيـك أيـهـا الإنسانُ
جـاء الرسـولُ بنـصـحـه ولأنـهُ *** محـفـوظـةٌ اسـرارُه وتُـصـانُ
واليـوم يـومُ حُجَيْجـةٍ من وائـلٍ *** جـاءت بهـا الأنبـاءُ والأزمانُ
شيبان قومى والأعاربُ دعوتى *** وعـزيـزةٌ فيهـم فـلستُ أهـانُ
قـلْ للطميحِ فدتـهُ فتيانُ الوغى *** عندى لكسرى القلبُ والأبدانُ
ابلـغ طميحـاً يارسـولُ وقـل لـه *** بسيـوف تغـلِـبَ تُغلبُ الأقرانُ
ثم التفت لقومها وقالت اتستقيمون وتصبرون أم استجير لي ولجارتي بقبائل غيركم وأريكم العزّ الأعزّ والعديد ؟ وانشدت :
ماذا ترونَ يا بنى بكر فقد نزلت *** ِبْرُ النوائبِ والأخرى على الأثرِ
اتـصبـرون لشعـواء مُـلـَمْـلَـمـةٍ *** فيهـا الأعاجـمُ بالنشّاب والـوترِ
أم لستمُ أهـل صبـرٍ فى لوازمها *** عنـد الحفائظِ والجاراتِ والخَفَرِ
إنى أجرت بكم ياقومُ فاصطبروا *** فالصبرُ يحللُ فوق الأنجمِ الزُّهُرِ
يا أيها الشمُ انتم حافظوا ذممى *** وانتـمُ لعـمرى العـزُّ مـن عُمرى
إمـا صبرتُـمْ فـلا ادعـو لغيركـمُ *** وإن جزعتم أنادى كلَ ذى حُضُرِ
بكل سامٍ الى الهيجاءِ ذى شرفٍ *** وارى الزنادِ كريمِ الجدّ من مُضَرِ
فأجابها قومها واستعدوا للقاء جيش كسرى . ولم يخطر على بال احد منهم ان كسرى قرر ان يقود الجيش بنفسه وجعل ابنه الأكبر على الميمنة وابنه الأصغر على الميسرة حيث اصبحت المسألة بالنسبة له مسألة كرامة وعزة بالإثم اصبحت المعركة مسألة مجد الفرس اذ اعدّ جيشا لم تر الصحراء مثله عددا وعدة تجاوز مائة الف مقاتل جلّهم فرسان .
آه لك يا عروبة فقد انبعثت في قلوب القبائل العربية الحمية العربية فكانت هذه كلما جاءت الأنباء بعظمة الجيش القادم تسارعت القبائل العربية للانضمام الى بعضها . كل من تهرّب من ايواء الحُرَقة جاء الآن بكل ما يملك من رجال وعتاد ليشارك في صد العدوان الغاشم حيث اصبحت (الحُرَقَةُ) هند بنت النعمان ابنةَ كل رجلٍ وأختَ كل فارس واصبحت رمزا للكرامة العربية .
اما شاعرتنا فقيل انها تركت ناقتها وركبت فرسا وراحت تطوف على القبائل العربية صارخة مستنهضة محرّضة راحت تخاطبهم فقد بدات بقبائل بني حنيفة قائلة : إيهاً اجيدوا الضرب ياحنيفةْ *** فـأنـتـمُ الجُمجُمـةُ الشريفـةْ
حامى على أعراضك النظيفةْ *** ان الجـنـودَ حـولـكـم كثيفةْ
ثم اقبلت الى بنى عجل وهم أهلها الأدنون مخاطبة لهم :
الـفـخـرُ فـخـرى بـسـراةِ عِـجْـلِ *** هم معشرى فى نجدهم والسهلٍ
هـم الـسـراةُ وحـمـاةُ الأهــــــلِ *** والـفائـقـونَ بـشـريـفِ الـفـعـــلِ
إيـهـا أبـيـدوا جـمـعَـهُـم بالقتـلِ *** ولا تـكـونـوا غـرضـا لـلـنَـبْـــــلِ
ثم أقبلت على بنى لجيم قائلة:
لُجَـيْـمُ قـومـى وبـنـوا أبينـا *** ليسوا لـدى الهيجا مُغلّبينـا
بـل ظـافـرون وحُـمـاةٌ فينـا *** العـزُ ّ فيهـم حيـن يُلجِمونـا
ويَـسـرحـون ثُـم يـحـملونـا *** إيهاً بنى الأعمامِ فانصرونا
ثم ذهبت الى بنى ذهل وانشأت تقول:
اليـومَ يـومُ العـزّ لا يـومُ الندمْ *** يـومُ رمـاحٍ وجـيـادٍ وخـــــــدَمْ
للوائليـات الـتى تحـمى البُهـمْ *** يا آل َ بـكـر ٍ لا تَهَـلكُـمُ الـعـجـمْ
من الذى يحمى الخيامَ والنعَمْ *** إن صبرت ذُهْلٌ فعِزّى اليومَ تَمْ
ثم اختلطت باهلها وقبيلتها بنى شيبان وراحت تسير وهم من خلفها فكانت
مثالا رفيعا للمرأة العربية وعزة نفسها ومن رجالها ومن عدالة قضيتها وهي تنشدهم هاتفة :
إيـهـاً بـنى شيبـانَ صفاً بعـدَ صـفْ *** مـن يُـردِ العَـليـاءَ لـم يخـشَ التلفْ
اليومَ يـومُ العـزّ موصوفُ الشرفْ *** إن حافظت قومى فما بى من أسفْ
أنـا ابنـة العزّ وعرضى اليوم عفْ *** بـكـل نـصـلٍ كـالشهـابِ المُخـتطـفْ
وعندما انبلج الفجر كان عشرات الألوف من فرسان كسرى يحجبون الشمس كثرة وعددا وتبلغ غطرستهم وصلفهم وتجبرهم وعدتهم مدى عظيما تلاحمت القبائل العربية وتساندت وتراصّت وهجمت هجمة واحدة ليبدأ اليوم الأول من هذه الموقعة الهائلة والتي عرفت بوقعة( ذى قار) وهي المعركة الأولى التي انتصر العرب فيها على الفرس وهزموهم شر هزيمة .
وقفت شاعرتنا صفية الشيبانية ترقب وقلبها يكاد ينخلع من هول ما ترى , تكاثر جنود العجم على العرب حتى كادوا ينهزمون.. راحت ترقب من بعيد شقيقها الأصغر فارس بنى شيبان عمرو بن ثعلبة وهو يلقى بنفسه بين جموع العجم كأنه الموت لأدافع له , كان يشق الصفوف ويجندل الفرسان ولكن العجم يتكاثرون حتى كأن لا نهاية للأعداد التي جاء بها كسرى . بدأ العرب تحت وطأة الكثرة الضارية يتراجعون .. فهجمت صفية بسيف مسلول تقطع حبال هوادج النساء فسقطت النساء عن الجمال ورأى رجالهن ذلك فعطفوا على القتال عطفة من لا يريد الحياة وشقت الشاعرة الصفوف مقتربة من اخيها بحيث يسمعها وراحت ترتجز :
ياعمروُ ياعمرو الفتى بنَ ثعلبة *** حـامِ عـلى جـارتـك المُستقـرَبـةْ
وزاحم العجم عند العقَبةْ . فحمل اخوها والرجال معه حملة صادقة ولكن الكثرة كادت تفنيهم والتحقت بهم قبيلة بنى يشكر وعليها فارس العرب ظليم بن الحارث) وشاعرهم (الحارث اليشكرى) فجاءوا مددا قتال جيش كسرى فاستقبلتهم قائلة :
هـذا ظليـم جاءكـم فى يَشكُـرِ *** كليث غاباتٍ مهوسٍ مُخْدرِ
يا فارسا تحت العجاج الأكبرِ *** إحْملْ هُديتَ حملةَ المنتصرِ
فهجم اليشكريون على جيش كسرى وفرّجوا عن بنى شيبان وصفية تقول :
احمل ظليمُ فى العجاج الأسـودِ *** ادرك فأنـت غـايـة المستنجـدِ
واعـدُ عـلى القومِ كعـدو الأسدِ *** باليشكـريـيـن كـرام الـمـحـتـدِ
غابت الشمس وافترق الجمعان وانتهى اليوم الأول .ارسلت الحجيجة الى
الطميح شيخ قبيلة اياد القائد العربي بجيش كسرى:
ليس للعُجْم نُصرٍةٌ فى عشيرى *** إن ارادَ الطميحُ نجلُ الكرامِ
ان تـولـت لـنـا إيـادُ انـهـزامـا *** كـان منهـم هـزيمـةُ الأعجامِ
وملكنـا العُـلّـوَ والفـخـرَ طـولَ *** الـدهـر حـتـى آخــر الأيـــامِ
ان نصـرَ الطميـح أكـرمُ نصـرٍ *** وحُـنـوٍّ عـلى بـنى الأعـمـامِ
وفى اليوم الثانى فوجئ كسرى بقبيلة إياد العربية تترك صفوف جيش كسرى وتنضم في القتال الى القبائل العربية فأعاد ترتيب صفوفه وبدأ القتال الطاحن حتى غابت الشمس وافترق الجمعان .
وفى اليوم الثالث كان تفوق العجم واضحا ولكن بسالة العرب مكنتهم من الصمود. وفى اليوم الرابع قدمت شاعرتنا ( صفية) ب(الحرقة) هند بنت النعمان وقالت لها: كونى قريبة منى ..وانتدبت فوارس قومها ورأست عليهم اخاها وانشأت تقول لهم و(الحرقة) واقفة بجانبها اخاها وانشأت تقول لهم و(الحرقة) واقفة بجانبها :
ياعـمـرو يا مـن أجـار الحُـرَقـةْ *** يا رأس شيبان الكماة المُعْـرِقـةْ
أكـرم خيـلىِ مـن سعى أو لحِقـَهْ *** والعجم صرعى جمعهُمْ مُفترقةْ
وقالت للحرقة : هذا آخر يوم بيننا وبين هؤلاء القوم فاسفرى على عمرو واوصيه بما شئت فاسفرت الحرقة بوجه زاهر وحسن باهر وانشدت:
حافظ على الحسبِ النفيس الأرفعِ *** بمـدجّجـيـن مـع الـرمـاح الشُّرَّعِ
واليـوم يـوم الفصل منـك ومنهـمُ *** فـاصـبـر لـكـل شـديـدة لـم تُـدفــعِ
ياعمرو ياعمرو الكفاحَ لدى الوغى *** ياليثَ غابٍ في اجتماع المجمعِ
اظـهـر وفـاءً يـا فـتـى وعـزيــمــةً *** أتُضيـعُ مجـداً كـان غـيـرَ مُضيّعِ
هجم الفارس عمرو بن ثعلبة الشيباني وهجم كل فرسان العرب في هجمة واحدة تفرقت فيها صفوف العجم ومزقوهم شر ممزق وانكسر الجيش الفارسي وقتل اولاد الملك كسرى واصيب كسرى نفسه فلم يجد مفرا من الانسحاب مهزوما مخذولا وغنم العرب غنائم لا تحصى ولا تعد من الذهب والفضة والديباج واللؤلؤ والدر وكل ثمين وكان لهم النصر المبين الذى تفوقت به العرب على العجم وانشدت هند بنت النعمان في مدح صفية الشيبانية قائلة : المجدُ والشرفُ الجسيمُ الأرفعُ *** لصـفـيـةٍ فـي قـومـهـا يُـتـوقـعُ
ذات الحجاب لغير يـومِ كريهـةٍ *** ولدى الهياج يُحلُ عنها البرقعُ
لا أنسَ ليلةَ اذ نزلـت بسوحها *** والقـلبُ يخفـقُ والنواظرُ تدمعُ
والنفسُ فى غمرات حزنٍ فادحٍ *** ولـهـى الفـؤادِ كـئيبـة اتـفجّـعُ
مطـرودةً مـن بعـد قـتـل أبـوّتي *** ما إن أُجارُ ولم يسعنى المضجعُ
ويئست من جـارٍ يُجيـرُ تكرمـاً *** فأُجـرت واندملت هناك الأضلعُ
وتواردوا حوضَ المنيّةِ دون أن *** تُسبى خفيرةُ أختهم واستجمعوا
والح كسرى بالجـنـود عـليهـمُ *** وطميحُ يردفُ بالسيوفِ ويدفعُ
وهـمُ عـليـه واردون بطـرفهـم *** والنصرُ تحـت لوائهم يترعرعُ
ملخص تعقيب باحث ملم بتاريخ العرب على هذه الأكاذيب الواردة في القصّة حيث كتب :
بعد ان بينا زيف الحجيجة كامرأة من الجاهلية والتي تمت النقول عنها مؤخراً على انها تغلبية وحبكت حولها القصص واخرجنا زيف جاهليتها وزيف تغلبيتها نضع بين يديكم نموذجاً من الشعر الذي حيك لها قصصيا فخاطبت بني حنيفة بقولها:
ايها اجيدوا الضرب يا حنيـفه *** فـأنـتـم الجمجمـة الشـريـفـه
اهـل اللقا والعمدة المعـروفـه *** والعدة المنسوجة الموصوفه
حامي على اعراضك النظيفه *** الطـاهـرات ويـحـك العـفـيـفـه
أن الجـنـود حـولـكـم كـثيـفـه *** فـلا تـهـلـكـكـم وتزدكـم خيفـه
ثم اقبلت على بني لجيم، فقالت:
لـجـيـم قـومـي وبـنـو ابـيـنـــــــا *** لـيسـوا لـدى الهـيجـا مـعـلبـينـا
بـل ظـافـرون وحـمـاة فـيـنـــــــا *** العـز فـيـهـم حـيـن يـلـجـمـونــا
ويـسـرحـون ثـم يـحـمـلـونـــــــا *** إيـهـا بـني الاعمـام فـانصـرونـا
اني اجرت بكم يا قوم فاصطبروا *** فالصبر يحلل فوق الانجم الزهر
إيها اجيبوا بني بكـر حُجيجتكـم *** ما عندكم ويحكم من غاية الخبر
يا أيها الشم انتم حافظو ذمـمي *** وانتـم فلعـمري العـز من عمري
اما صبرتم فـلا ادعـو لغـيـركـم *** وان جزعتم انادي كل ذي حضر
بكل سام الى الهيجاء ذي شرف *** واري الزناد كريم الجدّ من مضر
ذي مرّة لا يخاف الجند ان كثروا *** فـي سـادة قـادة معـروفـة صُبـر
ثم اجارتها الحجيجة وهي صفية الشيبانية وحارب قومها كسرى وجنوده وكسروهم مراراً ثم جمع كسرى جموعاً كثيرة وجاء يقودها بنفسه.
هذه هي قصص الحكواتية يجب علينا ان نمحص ونبحث ولا نصف منطقة الحجيجة بأنها تغلبية بناء على كتابات مزيفة ثم الحرقة التي الصقت بالحجيجة كذلك وما دام هدمنا قصة الحجيجة فمن باب اولى ان تنهدم قصة الحرقة والمحرقة...
ما هذا السخف وهنا انقل حرفية التناقض بالنقل عن هذه القصص المزيفة من كتاب شاعرات العرب لبشير يموت صفحة (21 ـ 22) علماً بأن هذا الكتاب قد استولى عليه شخص ونسبه الى نفسه ربما في بعض دول الخليج وقد رأيت الكتاب ونسيت ذلك ولكني هنا اريد ان اثبت هذا التناقض والشعر الهزيل الذي لا يقبله ذوق مطلع على بعض قواعد اللعة العربية ثم وضّح عن الحقيقة وذكر أن بشر بن مروان ورواته ما يعرف منهم أحد ولا يوجد ترجمة لأحد منهم .
( تعقيب عبدالله بن عبار على هذه القصص المضافة لمعركة ذي قار )
( حرب بني شيبان مع كسرى ان شروان )
هذا العنوان جاء بمخطوطة تنسب لشخصية وهمية باسم بشر بن مروان الأسدي وهذا الأسم لم يرد له ترجمة في جميع الكتب ورواته جميعهم مجهولين وقد نشر صفحة من تلك المخطوطة بها فقرة من وصف حرب يذكر أنها حدثت في ذي قار وأشاعوا بعض الذين يجهلون حقيقة حرب ذي قار الصحيح دعاية وهم يستدلون بالمخطوطة على أن ما جاء بها وصف لمعركة ذي قار وبعد أن دققت في هذه المخطوطة وجدت أن بشر بن مروان الأسدي لم يرد له ذكر في كتب التاريخ وليس له ترجمة وأن ما ورد بالمخطوطة لم يرد في شرح حرب ذي قار عند جميع المؤرخين وقد أوردت قصّة حرب ذي قار كاملة حسب ما هو موضح اعلاه أما المخطوطة فهي منقولة من قصّة خيالية تشرح عن شاعرة شيبانية وهي من نسج خيال الذين يؤلفون قصّص من الأساطير الخرافية وينتحلون شعر وقد أدعوا أنها زبنت عليها هند أبنة النعمان وأنها ثورت القبائل على الفرس بشعرها وكل ما جاء في أقوال الحكواتي التي صنفّها تخالف ما شرحه المؤرخين عن حرب ذي قار وهي أقوال مزيفة وحرب ذي قار مضى على حدوثها أربعة عشر قرن ونصف والمخطوطة عصرها قريب فالمؤرخين أوردوا اخبار معركة ذي قار كاملة من بدايتها إلى نهايتها وشرح عن أسبابها وهذه القصة لم ترد بأي كتاب ولا يوجد اسم ظليم اليشكري ولا صفية الشيبانية في شرح معركة ذي قار ولا يوجد وجه مقارنة بين ما جاء بالمخطوطة وحرب ذي قار ولا تدل على الدحّة كما يرى البعض وقد شوه تاريخ العرب القصاصين حيث أنهم يتناولون موضوع تاريخي أو أسماء اشخاص وقبائل لهم قصص حقيقية ثم يحوكون حكايات ملفقة وينتحلون شعر لكي يكون شاهد على ما يدعّون به وهو كذب ولا ينطلي على من اطلع على تاريخ العرب الموثق الذي اتفقوا عليه المؤرخين العرب مثل حرب ذي قار حيث ذكر في الشعر المنتحل على لسان امرأة تدعى الحجية أنها نخت قبائل العرب ولبوا دعوتها وشاركوا في ذي قار وهذا كذب لأن المعركة كانت مفاجئة والعرب كانوا يخشون ملك الفرس وجيشه والدليل انهم اعتذروا للنعمان عندما طاف في قبائل العرب ولم يجد من يقبل حمايته ألا هاني بن مسعود الشيباني والقصّة واضحة ولا شارك مع بكر الا قبيلة عنزة حيث شاركت ضمن جمع لهازم بكر وقد ذكر الحكواتي أن تغلب شاركت وهذا غير صحيح لأن تغلب كانت مع جيش كسرى والغريب أن هذه الكتابات البعض منها مطبوع والبعض منها على شكل مخطوطة وقد تناقلوها الذين تنقصهم الدراية وأدعوا أنها عن تاريخ العرب وتخيلوا الذين يحاولون تصديق انفسهم في إشاعة لعبة الدحة بذي قار وما جاء بهذه المخطوطة تصنيف مشابه لقصّة الزير وقصة عنترة وقصّة قيس الملوّح وقصص بني هلال وهم لهم قصص حقيقية ولكن مؤلفين الأساطير خلطوا القصص الخيالية مع القصص الحقيقية وهنا لزم أن أدعو الذين ينقلون الخرافات ويصدقّونها الاطلاع على كتب التاريخ الصحيح وتحكيم العقل لأن ما كتب ما ينطبق على أحداث معركة ذي قار ولا يمكن للكذب أن يصير صحيح مهما نمّق ومهما انتشر وقد سمعت رجل يشير لهذه المخطوطة .
وأقول : من احتكر معركة ذي قار على عنزة فقد ظلم قبيلة بكر أبناء عم عنزة وهم مسعر الحرب في المعركة والقول الذي يذكر أن أبنة النعمان بن المنذر هند الملقبة ( الحرقاء ) كانت هاربة من كسرى ملك الفرس ودخلت على قبيلة بني وائل وكان شعارهم ( عنزت عنزت ) أي دخلت علينا واحتمت بنا وحموها عنزة من ملك الفرس ويرون ان هذا سبب اسم أولاد وايل عنزة وهذا غير صحيح والصحيح ان اسم عنزة معروف ومشتهر قبل معركة ذي قار في خمسة قرون وسبب اسم عنزة الصحيح المثبت في المصادر فان جد عنزة عامر بن اسد بن ربيعة عندما كبر كان يتوكأ على عنزة وهي العكاز الذي يتوكأ عليه كبار السن وطعن رجلاً بالعنزة وقتله ولقب عنزة وبقي اللقب على ذريته عنزة منذ ذلك التاريخ ولا يزال اما القول بأن الاسم بسبب تعنز ابنة النعمان فانه غير صحيح ولم يذكره أي مؤلف وبخصوص وايل جد قبيلة عنزة المعاصرة فهو برز مع بروز فرعي عنزة ضنا بشر وضنا مسلم ابناء عناز بن وائل وعرف بعد معركة ذي قار في ستّة قرون او أكثر وقبيلة بكر لم تسمّى عنزة ولم يرد هذا القول في شرح معركة ذي قار والمعركة قبل الهجرة في عشرة أعوام .
المبحث الثالث : حكاية ربط لعبة الدحة في معركة ذي قار
سبق وأن كتبت بحوث عن موضوع الدحّة ونفيت بصدق وأمانة الاشاعة التي تربطها في معركة ذي قار وذلك لأفهام الذين ضلل عليهم في روايات لا صحة لها لذا آمل من الذين أخذوا بإشاعة لعبة الدّحة في معركة ذي قار أن يذكرون المصدر الذي ذكر الدحّة في ذي قار وهل يعقل أن قبيلة مقبل عليها جيش في عدده وعتاده يريد يقضي عليهم وهم يستقبلونه بالدّحه ؟ وكيف صيغة الدحة مع الحرب وهل بين الدّحة والحرب وجه مقارنة ؟ وهل يحق لأحد أن يصنّف تاريخ ويضيفه لتاريخ حدث منذ خمسة عشر قرن ؟ وهل الدّحة فيها فخر ؟ اليس هي لعبة تلعب في وقت السلّم بمناسبة فرح والدواحيح عزّل ليس معهم سلاح ؟ والحرب كما يقال ( سلاح وهزيز رماح ) ؟ فكيف صارت الدحّة رقصت حرب وهي لعبة ؟ ويجب على الذين ينقلون الاشاعات أن يقف كل منهم مع نفسه ويتأمل ويحلل الخبر ولا يأخذه على علاّته وأخيراً أقول أن الدحة ليس فخر وإنما الفخر في الأفعال كما كررت أمرار وأقول أن قبيلة عنزة لها مفاخر وأمجاد وليس من مفاخرها الدحّة لأن الدحّة مجرد لعبة ومحدثكم ما ينقل خرافات وينشرها والله على ما أقول شهيد وقد نشرت فصول معركة ذي قار حسب ما جاء عند المؤرخين العرب ومع الأسف أن بعض المتحدثين وبعض الشعراء يكرر هذه المقولة بأن أصل الدحّة في معركة ذي قار وجعلوها رقصت حرب والذي نعرفه ان الدحّة عند عنزة لها ثلاث أسباب :
1- السبب الأول : عندما يكون لأمرأة غائب وتأمل حضوره أو مريض تنذر على شفائه أو لها مطلب تريد تحقيقه فهي حسب اعتقادهم في الزمان الماضي تنذر أنها تغز رايه لوجه الله أن تحقق طلبها وعندما يتحقق طلبها تضع رقعه بيضاء على عمود البيت المقدم ويكون ذلك في القيظ والقبيلة مجتمعه على العد ويعتقدون أن وفاء نذرها لا يكتمل ألا في لعب وعندما يشاهدون رجال ونساء الحي هذه الراية يتوافدون بعد العشاء ويقيمون لعبة الدحّة وهذه تسمّى رايه والنذر مختص بالنساء فقط .
2- السبب الثاني : نظراً لقلّة النسل عند البدو بالزمان الماضي بسبب ظروف الحياه القاسية فهم عندما يلد لأحد رجالهم مولود ذكر تفرح كل القبيلة ويأتي طبيب متجوّل يسمّى ( المطاهري ) معه أدوات الطهارة فيطهّر الطفل ويعمل أبو الطفل وليمه ويدعي عليها رجال القبيلة وكذلك يغز في مقدم البيت رقعة تسمّى مصنّع ويجتمعون رجال القبيلة ويلعبون لعبة الدحّة وتحضر النساء قال الشاعر :
يا جعل صغيرّكم يكبر *** يفك الطرش من الغاره
ومن شعرهم :
حنا جيناكم سرايه *** وانحسب مصنعكم رايه
3- السبب الثالث : في حفلات الزواج كذلك يقيم المتزوّج حفل ويحضرون رجال الحي ويلعبون الدّحة . أما الحروب فأن القبائل في العصر الماضي كانت المناخات والحروب جزء من حياتهم اليومية وكل المعارك التي حصلت لعنزة ما يوجد راوي ذكر أن عنزة أقامت لعبة الدّحة في حرب وكيف تقيم اللعب والحرب قتال وليس لعب ؟ والدّحة مجرد لعبة شعبية قريبة عهد وتلعبها عدد من القبائل والغريب أنه في هذا العصر كثر الشعر في الافتخار بلعبة الدّحة ومن خلال بحثي المتواصل طيلة أعوام طويلة ومن خلال الاطلاع على الكتب التراثية والتاريخية لم أجد مصدر يشير لوجود الدحّة في موقعة ذي قار ولا في أي حرب وحيث أن موقعة ذي قار مضى على حدوثها خمسة عشر قرن وهذا التاريخ لا يمكن أن ينقل راوي من راوي حدث من الأحداث والمعروف أن حفظ الرواة في الصدور ما يتجاوز قرن أو قرنين ألا أن كان نسب متوارث وطالما أنه ما يوجد مصدر ذكر الدحه فكيف تلصق في ذي قار والمؤرخين الذين ذكروا الأشعار التي قيلت في معركة ذي قار لم يذكرون عنوان شعر الدحّة ( هلا هلابك يا هلا ليا حليفي يا ولد ) ؟ وهذا ليس من الشعر العربي الفصيح ؟ وشاعر بكر صناّجة العرب الأعشى القيسي لم يكن شاعر دحّة ؟ وشعره ليس عامي والمعركة حدثت عندما كانوا العرب يتكلمون اللغة العربية الفصحى وحالياً قبائل بكر له تواجد في العراق وأيران وتركيا ولا تعرف الدّحه بل لعبتها الهوسه فلماذا يزوّر تاريخنا ونحن ننقل التزوير ونتفاخر به وفخرنا الحقيقي ليس في الدّحة بل في الأفعال . جاء من فصول التعبية لمعركة ذي قال العبارة التاليه قال : ( فباتوا ليلتهم مستعدين للقتال ويتأهبون للحرب ) ولماذا ما قال المؤلف فباتوا ليلتهم يدحّون ؟ هل فاتت عليه أو أنه يتوقع أنه يأتي باحثين بعد خمسة عشر قرن فيضيفون الدّحه لمعركة ذي قار ؟ وكيف نصدّق أقوال غير مسنده وأود التذكير بأن الزيادات في تاريخ العرب في أحداث ليس منه يعتبر تشويه للتاريخ وقد بحثت عن قبائل ربيعة عامة وقبيلة عنزة خاصة عبر خمسة عقود وقلبت صفحات آلاف الكتب ولا تركت شاردة ولا واردة عن مفاخر وامجاد قبيلة عنزة ألا ذكرتها ومع تكرار بحوثي لم أعثر على خبر يذكر أن الدحة في ذي قار ولا يمكن أن اذكر خبر دون سند ودون مصدر وقد شرحت في كتابي عن لعبة الدّحة منذ أول طبعة وذكرت صفتها وذكرت أنها من تراث قبيلة عنزة والدحّة ليس لها تاريخ لأنها لعبة مثل العاب القبائل الأخرى وشرحت معركة ذي قار في عشرات الكتب التاريخية ولم يذكر بها دحّة ومن يدعي أنها تأسست في ذي قار فقد أخطأ خطأ فادح ومن يدعي أنها رقصة حرب فقد جانبه الصواب ومن يدعي أنها جفلت أفيال الفرس وأنها سببت هزيمة الفرس في تلك المعركة فقد لفّق قول لا صحة له ومن يدعي أنها خاصة لقبيلة عنزة فقد هضم حق القبائل التي تلعبها وكل هذه الأقوال ليس لها مصدر ولا سند ولا دليل وإنما هي اشاعات وطالما أنها لم تذكر في المصادر ولا يوجد راوي ينقل عن راوي منذ ذلك التاريخ إلى هذا العصر فأن قول من ربطها في معركة ذي قار باطل ولا صحة له وعلى من صدّق في هذه الخرافة أن يرجع للواقع ويعلم أن الدحّة ليس لها مجال في جميع المعارك والمناخات والحروب ومن يفتخر بالدحة فأنه يريد المعيبة للقبيلة التي انتصرت بالقوة والشجاعة على الاعداء وسبق وأن نوهت أمراراً وتكرار وشرحت عن لعبة الدحّة في مقالات مطولة لكي يكون كل من توهم على بينه ويقلع عن التمسك بإشاعة ينقلها شخص من آخر والدحة عبارة عن تراث والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل النجدات التي قدمت للفزعة لبني شيبان هل قدموا لكي يدحّون للمنذرية ؟ وماهي علاقة الدحّة في الحرب ؟ ولا أدري كيف دحّوا للمنذرية هل هم دحوّا لها عزاء بعد أن قتل أبيها وسلب ملك جدودها وزال حكمهم وهي لاجئة وحزينة ؟ ام انهم يدحّون لها لكي تنسى همومها ؟ أو يدحّون لها لقصد الفزعة بالدحة ؟ وهل هي متفرغة للدحة ؟ وهل هي في وقت طرب ؟ وهل هاني بن مسعود الشيباني دح لهند ؟ والمؤكد ان قبيلة بكر ما تعرف الدحّة منذ أن خلقها الله إلى وقتنا الحاضر والدحة لعبة شعبية تلعبها قبائل الشمال ومن ضمن القبائل التي تلعب الدحة قبيلة عنزة البادية فقط في وقت قريب . وفي هذا الوقت وضع تاريخ للعبة الدحّة وربطت في معركة ذي قار وكثر الزعّم بأنها رقصت حرب والصحيح أن الدحة عصرها قريب ؟ بينما معركة ذي قار مضى على حدوثها 1456 سنة والذي يحز بالنفس ولا يقبله لا عقل ولا نقل هو بعض الاضافات التي اضيفت على فصول المعركة ومنها لعبّة الدّحه حيث انتشرت اشاعة كاذبه أن الدحة أعتبرت جزء من معركة ذي قار ومن الاشاعات التي بثّت أن عنزة دحّوا في ذي قار وأنهم يمثلون زئير الأسود وهدير الزمّل علماً أن الدّحة لا تمثّل لا زئير الأسود ولا هدير الزّمل بل هي تصفيق بالكفوف يرافقها فحيح بالصدور ومن المؤسف أني اسمع رجال متعلمين ويصدقون هذه الخرافة التي سببت لقبيلة عنزة استهزاء وقد سألت الكثير من رواة عنزة في العصر القريب وهم يتحدثون عن حروب لعنزة مع قبائل أخرى ويذكرون المقارعة بالسيوف والرماح والأسلحة ولم يذكرون أنهم دحوا والذي علمناه وعرفناه أنها لعبة فرح وهي شعبية وليس لها تاريخ ألا أنني قرأت رواية تقول أن حجاج شعروا أن حولهم حنشل يحوفونهم بالليل فقاموا بالدحيح واصدار أصوات لكي يوحون للحنشل أن عددهم كثير وفعلاً نجحت الخطّة وبدأت الدّحة وعلى من صدّق بالخرافة ونقها أن يترك التكهّن ويبتعد عن ترسيخ الخرافة في أذهان الجهلاء وجميع القبائل لها العاب ولا يوجد من يفتخر في لعبة بل الفخر في الفعل وليس في اللّعب واشاعة الدحّة هي ضمن استهداف تزوير تاريخ ونسب قبيلة عنزة ونسأل الله أن يهدي من لفّقوا هذه الدعاية وبثّوا هذه الاشاعة ويجب الكف عن التحريف وتزوير الحقائق . وأوجه سؤال لأبناء العمومة شعراء قبيلة بشر خاصة من عنزة الذين يتفاخرون بالدحة في ذي قار وهم من بشر وبشر يزعمون الذين يكتبون تلفيقات انهم من تغلب ولو صحّة الدعاية أن بشر من تغلب فبماذا يفتخرون بذي قار طالما أن تغلب حاربت مع الفرس ضد بكر ومن يدعي أن قبيلة تغلب شاركت في معركة ذي قار مع بكر دعايته غير صحيحة ومع أن تغلب أبناء عم لبكر ولكنها شاركت مع جيش الفرس ضد بكر لأن ملك الفرس كان حاكم للعرب وسيّر الكثير من القبائل العربية مع جيشه ضد بكر ومن ضمنهم قبيلة تغلب وبنو النمر بن قاسط بقيادة ( النعمان بن زرعة التغلبي ) والنعمان بن زرعة كان من الذين خططوا لكسرى ونصحوه أن يؤجل الهجوم على بكر إلى القيظ بحيث إذا ركبوا الفلاة هرباً من جيش كسرى فسوف يهلكون ظمأ وإذا ادركهم في ذي قار يقتلهم ويسبي ذراريهم ونسائهم لأن تغلب تريد هلاك بكر آنذاك بموجب العداوة التي كانت بين قبيلة بكر بن وائل وقبيلة تغلب بن وائل حيث أن العداء مستحكم منذ حرب البسوس وامتد حتّى اصلح الإسلام بين الشعوب وانتهت العداوات والمنازعات وتصالحت بكر وتغلب وها هي الآن ضمن مجمع قبائل ربيعة في جنوب العراق قبائل موحدة وزعيمهم ربيعة بن حبيب التغلبي . وفي المخطوطة المزورة ذكر أن ظليم اصدر صيحة غريبة واعتقدوا أن هذه الصيحة تعني الدّحة والغريب أنهم مصدّقين بهذه الخرافة فهل الدحّة صيحة ؟ وهل القصد من الصيحة نخوة العرب للفزعة بالحرب أو أنه يصيح لهم يبيهم يدحون ؟ ولا أدري لماذا يتعلقّون بهذه الأكذوبة التي ما يصّدق بها عاقل والله المستعان على ما يصفون .
ومن نقل مكان معركة ذي قار من مكانها المعروف بالعراق وذكر انها حدثت في منطقة بين طريف والقريات شمال المملكة فقد أخطأ وحرّف في التاريخ ولتصحيح هذا الخطأ اثبت جميع المؤرخين في جميع المصادر أن معركة ذي قار حدثت في ذي قار قرب الكوفة في سواد العراق وهي المنطقة المحاذية لبلاد فارس وكانت الأبلة من ديار بكر بن وائل والمعركة على قبيلة بكر أما المنطقة التي في شمال المملكة فأنها بالعصر الجاهلي كانت تابعة لمملكة بنو كلب من قضاعة التي كانت بالعصر الجاهلي تمتد من السماوة إلى تبوك مروراً بمناطق شمال المملكة وعاصمة مملكة بنو كلب دومة الجندل وملكهم أكيدر الكندي الذي اسلم على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعركة ذي قار معركة تاريخية مشهورة تفتخر بها جميع العرب ونقلها من مكانها إلى مكان آخر غلطة كبرى مصدرها الدكتور عيد اليحيى في برنامجه ( على خطأ العرب ) الذي يبث من قناة العربية وقبل ان يبدأ تصوير المكان الذي يدعي انه مكان حدثت به المعركة هاتفني الدكتور عيد وقال انه في دومة الجندل وينوي غداً تصوير موقع معركة ذي قار بين طريف والقريات وقلت له معركة ذي قار حدثت بالعراق وإذا اردت تّصوير المكان اذكر أنها منطقة مشابهة لأسماء وتضاريس مكان معركة ذي قار لأنه ليس هو مكان المعركة ولا أخذ بما وضحت له وبعد ان صوّر مكان المعركة أرسلت له رسائل توضح مكان معركة ذي قار واشرت لعدد من المصادر وذكرت له الحقيقة ولكنه اصر على الخطأ واكثر الجدال وفي ختام الجدال قال ( أنني مواطن سعودي مخلص لبلادي وأرغب أن تكون المعركة في بلادي ) وهو يقصد أن الذي يذكر له الحقيقة غير مخلص لبلاده وهذه العبارة شطحة من الدكتور عيد وكأنها استهزاء ويستغرب أن يقولها رجل يحمل شهادة دكتوراه ومتعلّم وفي عصر معركة ذي قار ما يوجد طريف ولا توجد القريات وليس للدكتور بلاد في تلك المنطقة في ذلك العصر وقد مر اكثر من 47 جيل وكيف بعد مضي أربعة عشر قرن ونصف وتبقى هذه المنطقة في بلاده ؟ والحقيقة ان تاريخ العرب ما يجوز لمجتهد ان يغيره وبعد غلطته الكبرى في حق تاريخ العرب وضّح له الدكتور عبدالله الحمياني بالصوت والصورة عن مكان معركة ذي قار وأورد له مصادر وحقائق وشرح وافي ولكن الدكتور عيد اليحيى تعنّد وأصر على غلطته ولم يصحح الخطأ ولم يعتذر عنه وقد وهّم الذين تنقصهم الدراية والمعرفة عن تاريخ العرب ويجهلون الحقائق وصار البعض ينقل عنه والغريب أن الدكتور عيد كان معه شسوار ودفنه في الأرض ثم نبشه وقال هذا قرط قايد معركة الفرس وكأنه يمثّل وهل أحد يصّدق ان هذا القرط باقي منذ أربعة عشر قرن ونصف وقد ورد خبر في مبارزه الفرسان في معركة ذي قال : خرج أسوار من الأعاجم في أذنيه درتان من كتيبة الهامرز يتحدى الناس للمبارزة حتى إذا دنا من بني يشكر برز له ابن حارثة فشد عليه بالرمح فطعنه ودق صلبه وأخذ حليته وسلاحه والمعروف ان ابار قراقر كانت موارد لأهل البادية منذ ذلك العصر وفي العصر الماضي كانت تقطن عليها قبيلة الرولة وغيرهم من القبائل فكيف عثر الدكتور على قرط قائد الفرس ولم يعثرون عليه الذين يردون على هذه الآبار عبر العصور أما معركة ذي قار الشهيرة والتي دوّنت في جميع المصادر وشرحت وهي معركة عظيمة من مفاخر العرب عامة ومن مفاخر قبيلة ربيعة ومن مفاخر قبيلة بكر خاصة وهي حرب ولكن مع الأسف حولوها بعض الكتاب وبعض المتحدثين إلى حفل أعراس حيث أدعوا زور وبهتان أن لعبة الدحّة جزء من حرب ذي قار وهذه مهزلة ما يقرها عقل ولا نقل ولا أدري ماذا يقصد من تأليف أقوال خرافية ؟ والدحّة ما يعرفونها عنزة طيلة أثنا عشر قرن وجودهم في خيبر وتلك المدّة بعد معركة ذي قار وعنزة عندما توغلوا في نجد ما يعرفون الدحّة ألا بعد أن هاجر اقسام منهم إلى الشمال وأن أردنا نحدد اكتسابهم للّدحة فأن أول من هاجر قبيلة الحسنة ومن معهم من المنابهة حيث ورد لهم ذكر في تلك الديار عام 1111هـ ثم هاجروا ولد علي والشراعبة بعد هذا التاريخ ثم هاجروا ضنا عبيد ووصلوا تلك الديار عام 1230 هـ ثم هاجروا بعد ذلك العمارات ثم هاجروا الجلاس وهم الرولة والمحلف وفي عام 1250 هـ كانوا قد توغلوا بتلك الديار واكتسبوا لعبة الدحّة من قبائل الشمال وصارت تراث أصيل عند عنزة والقبائل تنشر عاداتها وتقاليدها مع البعض كما حصل في هذا الوقت في لعبة القلطة وهي المحاورة فقد انتشرت عند بعض قبائل عنزة وهي مقتبسة من قبائل نجد ولذلك نستطيع أن نحدد لعبة الدحة عند عنزة في حدود قرنين فقط فمن الذي رفعها إلى 1456 سنة في معركة ذي قار وبأي مصدر وجدت هذه الحكاية الخرافية ؟ حبذا لو كل رجل يحكم عقله ويفرّق بين الصّدق والكذب والله المستعان
ملاحظة
يوجد الشاعر بشر بن أبي خازم الأسدي ابن عمرو بن عوف بن حميري بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار، ويكنى بأبي نوفل، هو شاعر جاهلي فحل من أهل نجد، من بني أسد بن خزيمة، عاش بين العقد الثالث والعقد الأخير من القرن السادس الميلادي، وشهد حرب أسد وطيء وهذا غير بشر بن مروان الذي ينسبون له القصّة لكي لا يلتبس الأمر على الذين ينقلون الخبر على علاّته للمعلومية .