حديث لعن الله من انتسب الى غير ابيه او مواليه ، وروي بصيغات كثيرة تجدونها في بطون المسانيد والمجاميع الفقهية . الحقيقة ان هذا الموضوع اشغلني كثيراً ، وأطنبوا به كثير من الناس ، وشرقوا وغربوا ، وتلاعبوا في مفهوم الحديث وتفسيره كيف ما شاؤو وعلى هواهم . فالحديث ورد واضح المقصد منه ، وهو الوعيد للمسلم الذي ينكر نسبه متعمداً لأبيه لمنع ميراث مستحق ، او هو احد العاقلة ويجب عليه المشاركة في دفع دية مع عصبة الدم ، او لمنع زواج متكافيء، او متشبهاً بالنصارى كما تفعل بعض نساء المسلمين ، في هذا العصر ، وتتبرأ من الانتساب الى ابيها نسأل الله السلامة ،او مولى آبق عن مواليه ونسب نفسه الى غير مواليه ،وهناك بالشريعة رخص للمؤمن ان يستخدم التورية في نسبه اذا حس خطورة على نفسه من عدو قاهر ، كما فعل رسول الله مع الرجل الذي قال له الرسول الكريم : اخبرني من انت ومن ثم سوف اخبرك من انا ، ولكنه اخبره بالتورية وقال انا من ماء. وعلم النسب ليس فرض عين على المسلم الا ما دخل في معرفة المحرمات عليه من النساء بالنكاح ، ومن يجب عليه صلة رحمهم ، او النفقة عليهم ، او العصبة الذين لا يجوز ان ينكر نسبته اليهم هرباً من حقوق مستحقة عليه للعاقلة، او مطالبة بدين مستحقة عليه يذهب بسببها لإخفاء نسبه والمماطلة بالحقوق . وكما ورد بالاثر المرفوع عند بن حزم الظاهري (تعلموا من انسابكم ما تصلون به ارحامكم ،فإن صلة الرحم محبة في الاهل ، مثراة للمال ، منسأة في الأجل ، مرضاة للرب ) وما زاد عن ذلك فهو فضل لمن اراد التوسع في علم الانساب وفرض كفاية على من يقوم بمعرفة نسب امهات المؤمنيين ليبين ما فرض الله لهن من حقوق على المؤمنين ، ونكاحهن على جميع المؤمنين حرام ، وكذلك حقوق المهاجرين والانصار ،وما فرض الله لهم من محبة وحقوق بالترضي عليهم . كما ذكر ذلك بن حزم في مقدمة كتابه الجمهرة .
وانني اشاهد الجمع الغفير من الحاضرة لا يأبهون كثيرا بالنسب خارج هذا النطاق وفيهم العلماء والفقهاء والقضاة .ولا يهمه اذا قيل له انت من هولاء او هولاء وربما رد عليك ربما ، لأنه بالنسبة اليه خارج عن نص الحديث وما قصدت الشريعة ، وإلا لما ترك التمسك بنسب القبيلة ، ولو علم بأن نسبته اليها ضرورية وتبعده من شبح النار يوم القيامة لانتسب وأصل آخر إسمه بالقبيلة، بل وجدنا منهم كرهاً للبادية والقبيلة وهم منها ولا ينتسبون ولا يفتخرون بنسبها وهم من هم بالعلم مشهورين وربما اخفوا حتى نسبهم للقبيلة وانتسبوا الى أخرى حتى لا يقومون بعمل صالح لمن هم من بني جلدتهم القبلية، ووجدت بعضهم يقول لمن لا ينتسب اليه هذا من جماعتنا وحمولتنا فقط لأنه نسيب، وانت بن عمه جاره لا يأبه اليك .وهو يحفظ حديث الوعيد . ولأنهم علماء بالشريعة فهم يعلمون المقصد من الحديث انه لا يخص النسب البعيد الذي يلزم الخلاف فيه . فمن هنا نفهم ان الاجتهاد في النسب التاريخي البعيد مطروح للنقاش لجميع من وجد في نفسه قدرة على ذلك . ولو كان ذلك فيه خطورة على دين المسلم وعقيدته ، لما تجرأ كثير من العلماء على التأليف في نسب قبائل كثيرة لا تمت اليهم بصلة ، فينفون نسب هذا ويثبتون نسب ذاك ، ولا حرج فإنه فضل من العلم بالنسبة اليهم والا كان ذلك من النميمة والجرح والتعديل اكبر دليل علمي لمن اتقى. والله من وراء القصد .

أخي الفاضل هذا الكلام واقعي وملموس وبالنسبة للحاضرة وكرههم للباديه فأن له ما يبرره حيث أن البادية كانوا فتّاك اشرار وكانوا يفعلون أفاعيل مثل أفعال بعض المنظمات في وقتنا الحاضر من القتل والسلب والنهب ولكن بعد أن حكمت الشعوب بحكّام وانتشر العلم وذهبت العادات القديمة فأن الكره خف ألا لبعض من يشمخ أنفه من البادية ويتفاخر ويحتقر الغير فهذا مكروه عند كل بني آدم
وبالنسبه لعدم تعلقهم بالنسب والتفاخر به فهذا لأنهم عاشوا في مجتمع حضري تفاخره في العلماء والكرماء والوجهاء وبما أن الحاضرة عبارة عن تجمّع بشري منوّع فأنهم لو كل قبلي تفاخر بقبيلته لتنافروا ولكن يحتفظون بنسبهم في المصاهرة إلا القليل منهم فقد أختلط لأسباب

أما تفسير الأحاديث التي تحث على عدم الانتساب لغير الأب فأن الحاضرة تبتعد عن الانتساب لغير نسبهم فلا تجد عنزي يعرف أنه عنزي فينتسب لتميم بل يتوقف نسبه عند الأسرة للتعريف في محيطه ولكن عند اللزوم يشهر قبيلته

وفي نظري أن هذه اللعنه تنطبق على من يستعير جد قبائل ويضعه لقبيلته جد وهو يعلم أنه ليس جد قبيلته فهذا يدخل في اللعنه وهكذا

استاذي الكريم بن عبار ، كلامك جميل جدأ ، المشكلة في حواضرنا اليوم ،لا يزالون يحملون الحقد الدفين وخصوصاً علمائهم يا للأسف وخاصة من ترجع اصولهم الى البادية ، بل ولا يعترفون ان البادية تحضرت واصبح منها شريحة لا يستهان بها من العلماء والادباء والمثقفين .واليك قصة قد نقلها لي رجل اثق في نقله وعقله ودينه ، من اهل بريدة من البادية ، يقول كان لي صاحب من الحاضرة وكان حريصاً على اخذي معه لزيارة المشايخ وحضور دروسهم ليتئلفني ونزداد إيماناً ، وذهبنا ذات يوم الى احد المساجد التي يلقى بها الدروس ووجدنا الشيخ وسلمنا عليه وحضرنا الدرس وعرفه زميلي بمن اكون، وعدنا بعد الدرس الى بيوتنا .ثم بعد فترة من الزمن اتاني صاحبي مرة اخرى وطلب مني الذهاب معه الى ذلك الشيخ للاستفادة من الدرس ، فذهبت معه ،فلما دخلنا المسجد صلينا تحية المسجد ، فنهض زميلي قبلي وقصد الشيخ ، وكنت قد تأخرت بعده قليلاً فلحقته ، وكان الشيخ يعاتبه على اصطحابه لي عند قدومة المرة الأولى ظاناً انني لم آتي معه هذه المرة ، وسمعت الشيخ وهو يقول له انا (إزعلن عليك ) وهذه لغة خاصة بتلك المدينة ، يقول ولا يظنني خلفه ، قال : لما يا شيخ قال : لإنك أتيتنا بالبدوي معك بالمرة السابقة ، فسقط زميلي بالحرج . وأسقط بيد الشيخ لما رآني بالمسجد .اذا هذا كلام العقال فيما نظن فما ظنك بطلبته الذين يحضرون دروسة ويقتدون في منهجه .
ثانياً الاعراب او البوادي اهل مكارم واخلاق ، فإذا تدين الرجل منهم وهو من معدن ذهب تجده خير الناس ديناً ومنهجاً وسيرة عطرة ، كما قال فيهم الرسول الكريم ، عندما سألوه الصحابة عن الرجال فقال : (الرجال معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم بالجاهلية خيارهم بالاسلا اذا فقهو) .يا سيدي وتناسوا هولاء الحاضرة ان الانبياء كانو بدو ومنهم خاتم الانبياء ، وما ضعف الاسلام اليوم الا بضعف رجاله من العلماء عندما اصبحوا من الحاضرة ،فإنك لا تكاد تجد عالم مشهور منهم فاتح بيته كما كان يفعله الامام الزهري وأضرابه من العلماء . وما كان ابن باز رحمه الله ، الا خارج عن قاعدتهم ،واعاد تاريخ العلماء العالمين العاملين بعلمهم، ولكن من اينا لنا بابن باز جديد ، اما بالنسبة لفخر الحاضرة بالعلماء فهذا فخرٌ لا يختص بهم وحدهم ، بل كثير من العلماء المشهورين تجدهم من ربيعة الفرس . وحسبك بأشهر وائلي بالاسلام على الاطلاق ، إمام اهل السنة والجماعة قاطبة الذي وقف وقفة وائلية شيبانية سدوسية بوجه فتنة خلق القرآن . وهو احمد بن حنبل رحمه الله تعالى . وتقبل تحياتي