تابع
شرح وقائع المعركة قال أبو عبيدة وقال بعضهم لم يدرك هاني بن مسعود هذا الأمر إنما هو هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود وهو الثابت عندي -
فلما قتل كسرى النعمان استعمل أياس بن قبيصة الطائي على الحيرة وما كان عليه النعمان قال أبو عبيدة : كان كسرى لما هرب من بهرام مر بأياس بن قبيصة وفأهدى له فرساً وجزوراً فشكر ذلك له كسرى فبعث كسرى إلى أياس أين تركة النعمان ؟ فقال : قد أحرزها في بكر بن وائل فأمر كسرى أياساً أن يضم ما كان للنعمان ويبعث ( به ) إليه فبعث أياس إلى هاني أن أرسل إلي ما استودعك النعمان من الدروع وغيرها والمقلل يقول كانت أربعمائة درع والمكثًر يقول كانت ثمانمائة درع فأبى هاني أن يسلًم خفارته قال : فلما منعها هاني غضب كسرى وأظهر أنه يستأصل بكر بن وائل وعنده يومئذ النعمان بن زرعة التغلبي وهو يحب هلاك بكر بن وائل فقال : لكسرى يا خير الملوك أدلك على غرة بكر ؟ قال نعم قال أمهلها حتى تقيظ فأنهم لو قاظوا تساقطوا على ماء لهم يقال له ذوقار تساقط الفراش في النار فأخذتهم كيف شئت وأنا أكفيكهم فترجموا له قوله : تساقطوا تساقط الفراش في النار فأقرهم حتى إذا قاظوا جاءت بكر بن وائل فنزلت الحنو حنو ذي قار وهي من ذي قار [ على مسيره] ليلة فأرسل إليهم كسرى النعمان بن زرعه أن أختاروا واحدة من ثلاث خصال فنزل النعمان على هاني ثم قال له : أنا رسول الملك إليكم أخيركم ثلاث خصال أما أن تعطوا بأيديكم فيحكم فيكم الملك بما شاء وأما تعروا الديار وأما أن تأذنوا بحرب
فتوامروا فولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي وكانوا يتيمنون به فقال لهم : لا أرى إلا القتال لأنكم أن اعطيتوا بأيديكم قتلتم وسبيت ذراريكم وأن هربتم قتلكم العطش وتلقاكم تميم فتهلككم فأذنوا الملك بحرب بعث الملك إلى أياس وإلى الهامرز التستري وكان مسلحه بالقطقطانه وإلى جلابزين وكان مسلحه ببارق وكتب كسرى إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين وكان كسرى استعمله على طف سفوان أن يوافوا أياساً فإذا أجتمعوا فأياس على الناس وجاءت الفرس معها الجنود والفيول عليها الأساوره وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ورق أمر فارس وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اليوم أنتصف العرب من العجم ) فحفظ ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة فلما دنت جيوش الفرس بمن معهم أنسل قيس بن مسعود ليلاً فأتى هانئاً فقال له : أعط قومك سلاح النعمان فيقووا فأن هلكوا كان تبعاً لأنفسهم وكنت قد أخذت بالحزم وأن ظفروا ردوه عليك
ففعل وقسِم الدروع والسلاح في ذوي القوى والجلد من قومه فلما دنا الجمع من بكر قال لهم هانيء : يا معشر بكر أنه لاطاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب فأركبوا الفلاة ، فتسارع الناس إلى ذلك ، فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيار فقال له : إنما أردت نجاتنا فلم تزد على أن القيتنا في الهلكة ، فرد الناس وقطع وذن الهوادج لئلا تستطيع بكر أن تسوق نساءهم أن هربوا فسمي مقطِع الوضن ، وهي حزم الرحال ويقال : مقطع البطن والبطن حزم الأقتاب - وضرب حنظلة على نفسه قبِة ببطحاء ذي قار ، وآلى ألا يفر حتى تفر القبة فمضى من مضى من الناس ورجع أكثرهم ، واستقوا ماء لنصف شهر فأتتهم العجم فقاتلتهم بالحنو فجزعت العجم من العطش فهربت ولم تقم لمحاصرتهم فهربت إلى الجبايات ، فتبعتهم بكر وعجل أوائل بكر فتقدمت عجل وأبلت يومئذ بلاء حسناً وأضطمت عليهم جنود العجم فقال الناس : هلكت عجل ثم حملت بكر فوجدوا عجلاً ثابته تقاتل وأمرأة منهم تقول
أن يظفروا يحرزوا فينا الغرل *** أيها فداء لكم بني عجل
وتقول أيضاً تحضض الناس :
أن تهزموا نعانق *** ونفرش النمارق
أو تهربوا نفارق *** فراق غير وامق
فقاتلوهم بالجبايات يوماً ، ثم عطش الأعاجم فمالوا إلى بطحاء ذي قار فأرسلت أياد إلى بكر سراً - وكانوا أعواناً على بكر مع أياس بن قبيصة أي الأمرين أعجب إليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب ، أو نقيم ونفر حين تلأقوا القوم ؟ قالوا : بل تقيمون ، فإذا التقى القوم انهزمتم بهم قال : فصبحتهم بكر بن وائل والظعن واقفه يذمرن الرجال على القتال وقال : يزيد بن حمار السكوني - وكان حليفاً لبني شيبان أطيعوني وأكمنوا لهم كميناً ففعلوا وجعلوا يزيد بن حمار رأسهم فكمنوا في مكان من ذي قار يسمى إلى اليوم الجب ، فاجتلدوا وعلى ميمنة أياس بن قبيصة الهامرز وعلى ميسرته الجلابزين وعلى ميمنة هاني بن قبيصة رئيس بكر يزيد بن مسهر الشيباني وعلى ميسرته حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي وجعل الناس يتحاضون ويرجزون فقال حنضلة بن ثعلبة :
قـد جـد اشـيـاعـكـم فـجــدوا *** مـا عـلتي وأنـا مـودٍ جـلـد
والـقـوس فـيـهـا وتـرٍ عـرد *** مـثـل ذراع البـكـر أو أشـد
قد جعلت أخبار قومي تـبـدو *** إن المنـايـا ليس منهـا بـد
هــذا عـمـيــر حـيــة ألــــــد *** يـقــدمـه لـيـس لــه مـــرد
حـتى يـعـود كالكميت الـورد *** خلـوا بني شيبان فاستبدوا
روحي فـداكم وأبي والجـد
وقال حنظلة أيضاً :
يا قوم طيبوا بالقتال نفساً *** أجدر يوماً أن تفلوا الفرسا
وقال يزيد بن حنظلة :
من فـر منكم فـر عـن حـريـمـه *** وجــاره وفــر عــن نـديـمـه
أنـا أبـن سيـّار عـلى شـكـيـمـه *** إن الـشـراك قــد مـن أديـمـه
وكـلـهـم يـجـري عـلى قـديـمـه *** من قارح الهجنـة أو صميمه
قال فراس : ثم صيروا الأمر بعد هاني إلى حنظلة ، فمال إلى مارية أبنته وهي أم عشرة نفر أحدهم جابر بن أبجر - فقطع وضينها فوقعت إلى الأرض وقطع وضن النساء ، فوقعن إلى الأرض ونادت أبنة القرين الشيبانية حين وقعت النساء إلى الأرض :
ويها بني شيبان صف بعد صف *** أن تهزموا يصبغوا فينا الغلف
فقطع سبعمائة من بني شيبان أيدي أقبيتهم من قبل مناكبهم ، لأن تخف أيديهم بضرب السيوف فجالدوهم
قال : ونادى الهامرز : مرد ومرد فقال : برد بن حارثة اليشكري ما يقول ؟ قالوا: يدعوا إلى المبارزة رجل ورجل ، قال : وأبيكم لقد انصف فبرز له فقتله برد فقال سويد بن أبي كاهل :
ومنا بريداً قد تحدى جموعكم *** فلم تقربوه المرزبان المسورا
أي لم تجعلوه ونادى حنظلة بن ثعلبة بن سيار يا قوم لأ تقفوا لهم فيستغرقكم النشاب فحملت ميسرة بكر وعليها حنظلة على ميمنة الجيش ، وقد قتل برد منهم رئيسهم الهامرز وحملت ميمنة بكر وعليها يزيد بن مسهر ميسرة الجيش وعليهم جلابزين ، وخرج الكمين من جب ذي قار من ورائهم ، وعليهم يزيد بن حمار ، فشدوا على قلب الجيش وفيهم أياس بن قبيصة ، وولت أياد منهزمة كما وعدتهم وأنهزمت الفرس
قال سليط : فحدثنا أسراؤنا الذين كانوا فيهم قالوا فلما التقوا الناس ولًت بكر منهزمه فقلنا : يريدون الماء فلما قطعوا الوادي فصاروا من ورائه وجاوزوا الماء قلنا: هي الهزيمة وذاك في حر الظهيرة وفي يوم قائظ فأقبلت كتيبة عجل كأنهم طن قصب لا يفون بعضهم بعضاً ولا يمعنون هرباً ولا يخالطون القوم 0 ثم تذامروا وزحفوا فرموهم بجباههم فلم تكن إلا أياها فأمالوا عليهم بأيديهم فولوا فقتلوا الفرس ما بين بطحاء ذي قار حتى بلغوا الراحضة
قال فراس : أنه تبعه تسعون فارساً لم ينظروا إلى سلب ولا إلى شيء حتى تعارفوا بأدم ( موضع قريب من ذي قار ) فوجد ثلاثون فارساً من بني عجل ومن سائر بكر ستون فارساً وقتلوا جلابزين قتله حنظلة بن ثعلبة وقال ميمون بن قيس يمدح بني شيبان خاصة في قوله :
فـدى لبني ذهـل بن شيبـان نـاقـتي *** وراكـبـهـا يـوم الـلـقـاء وقـــلــــت
وهـم ضـربـوا بالحنـو حنـو قـراقـر *** مـقـدمـة الـهـامـرز حـتـى تـولــت
وأفـلـتـنـا قـيـس وقـلـت لـعـلــــــــه *** هنـالـك لـو كانـت بـه النـعـل زلـت
كفـوا إذ أتـى الهامرز تخفق فـوقـه *** كـظـل الـعـقـاب إذ هـوت فـتـدلــت
أذاقـوهـم كـأسـاً مـن الـمـوت مـرة *** وقـد بـذخـت فـرسـانـهـم وأذلــــت
فـصبـحـهـم بـالحـنـو حـنـو قـراقـر *** وذي قـارهـا منهـا الجنـود فـقـلـت
عـلى كـل مـحـبـوك الـسـراة كـأنـه *** عـقـاب سرت مـن مرقـب إذ تدلـت
فجاءت على الهامرز وسط بيوتهم *** شأبـيـب مـوت اسبـلـت فاستهـلـت
تناهـت بنو الأحزاب إذ صبرت لهم *** فـوارس مـن شيبـان غـلب فولـت
وقال بكير أصم بني الحارث بن عباد يمدح بني شيبان :
أن كـنـت سـاقـيـة الـمـدام أهـلـهــا *** فـأسـقـي عـلـى كـرم بـنـي هــمــام
وأبـا ربـيـعـة كـلـهـا ومـحــلــــــــم *** ســبــق بــغــايــة أمــجــد الأيــــام
ضربـوا بـني الأحـرار يـوم لقوهـم *** بـالـمـشـرفـي عـلـى مـقـيـل الـهـام
عـربـاً ثـلاثـة ألـف وكـتيـبــــــــــة *** ألـفـيـن أعـجــم مــن بـنـي الــفـدام
شـد أبـن قـيـس شـدة ذهـبـت لـهـا *** ذكــراً لــه فــي مــعــرق وشــــــام
عـمـرو ومـا عـمـرو بـقـحـم دالـف *** فــيــهــا ولا غــمــر ولا بــغـــــلامٍ
فلما مدح الأعشى والأصم بني شيبان خاصة غضب اللهازم فقال : أبو كلبة التيمي مجاوباً العديل :
جدعتما شاعـراً قأوماً أولـى حسبٍ *** حـزت أنـوفـهـمـا حـزاً بـمـنـشـــار
أعـني الأصـم وأعشانـا إذا أجتمعـا *** فـلا استعـانـا عـلى سمعـاً وأبصـار
لـولا فـوارس لا مــيـل ولا عــــزل *** مـن اللـهـازم مـا قـظـتـم بـذي قـار
أن الفوارس مـن عجـل هـم أنفـوا *** من أن يخلوا لكسرى عرضة الدار
لاقـوا فوارس مـن عجـل بشكـتهـا *** لـيـس إذا قـلـصـت حـرب بأغـمـار
قد احسنت ذهل بن شيبان ماعدلت *** في يوم ذي قـار فرسان بن سيـار
ونحـن أتـيـناهـم مـن عـند أشملهم *** كــمــا تــلــبــس ورّاد بــصـّـــــدار
قال أبو عمرو بن العلاْ : فلما بلغ الأعشى قول أبي كلبه قال : صدق وقال معتذراً مما قال :
متى يقرن أصم بحبل أعشى *** يتيها في الضلال وفي الخسار
فلست بمبصراً مـا قـد يـراه *** ولـيـس بسامـعـاً ابـداً حـواري
وقال الأعشى في ذلك اليوم :
أتانا من بني الأحرار *** قول لتم يكن أممـا
أرادوا نـحـت أثـلتنـا *** وكنا نمنع الخطـما
وقال أيضاً الأعشى لقيس بن مسعود :
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد *** وأنـت امرؤ تـرجـو شبابـك وائـل
أطـوريـن فـي عـام غـزاة ورحـلــة *** ألا لـيـت قـيس عـرفـتـه الـمقـاتـل
لقـد كـان في شيبان لـو كنت عالماً *** قـبـاب وفـيـهـم رحـلـة وقـبـائـــــل
رحـلت ولـم تـنظـر وأنـت عميدهـم *** فـلا يبلغـني عـنـك مـا أنـت فـاعـل
فـعـريّـت مـن أهـل ومـال جـمعـتـه *** كـمـا عـريـت مـمـا تـمـر المـغـازل
لـعـلـك يـوم الـحـنـو إذ صبحــتهـم *** كـتـائـب مـوت لـم تـعـظـك العـواذل
وقال أعشى بني ربيعة :
ونـحـن غـداة ذي قـار أقـمـنا *** وقـد شهـد القبـائـل محلبينـا
وقد جاءوا بهـا جأواء فـلـقـا *** ملـمـلـمـة كتـائبهـا طـحـونـا
لـيـوم كـريـهـة حـتى تـجـلـت *** ظـلال دجـاه عـنـا مصلـتينـا
فـولـونـا الـدوابـر وأتـقـونـــا *** بنعـمان بـن زرعـة اكتعـينـا
وذدنا عارض الأحرار وردن *** كما ورد القطا الثمد المعينا
سبق وأن أوردت ما جاْ بكتاب الأصفهاني عن معركة ذي قار وهذا ما أورده الطبري فأين ما يدعيه بعض العوام ؟
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله بن عبار ; 11-16-2022 الساعة 05:06 PM
|