عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2014, 05:50 PM   #4
عضو منتديات العبار
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 109
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الجدل الناجح , والمناقشة التي تؤدي إلى نتيجة معناها ؛ أن هناك شيئاً من الأساس متفقاً عليه , ومن المبادئ مسلماً به , فإذا لم يكن هناك أساس ولا مبادئ , فالجدل ضرب من العبث .

إذا كان خصمك يريد الغلبة بالحق وبالباطل , وأداته في ذلك طول اللسان وقوة الحنجرة , فما معنى مناقشته ! إنك تحتكم إلى العقل وهو لا يؤمن به , وتحتكم إلى وقائع , وهو يكذبها , وإن صدقها فسرها تفسيراً يخدم غرضه ويوفي بغايته , وإن سلكت مسلكاً سلك غيره عناداً , فكيف تناقشه , ولم تناقشه ؟ كيف تلتقيان إذا كان يريد الغلبه وتريد الحق ويسلك مسلك التهويش , وتسلك طريق المنطق , وتلتزم أنت صحة الواقع , ولا يلتزم هو شيئاً , ففيم الجدل ؟
إذا كان خصمك قد وضع نصب عينه في جدله أن يصل إلى منفعته الشخصية , ووضعت نصب عينيك أن تصل إلى الحق حيث كان , فكيف تلتقيان ؟
ثم هناك من يتحجر عقله على عقائد اعتقدها , أو مبادىء اعتنقها , فكيف تلينه بعد هذا التحجر؟ أو تكسبه المرونه بعد هذا التصلب؟ إنما ينفع الجدل قوماً يبرهنون فيعتقدون , لا قوماً يعتقدون ثم يبرهنون.
ولقد كره الإسلام الإمعان في الجدل , وذم قوماً فقال ( بل هم قوم خصمون ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " ما ضل قوم قط إلا أتوا الجدل " , فلم هذا الإسراف في المخاصمة والإمعان في المجادلة ؟

إن شئت فانظر إلى ما يكتب في الجرائد والمجلات والمنتديات , كيف يتجادلون ويمعنون في الجدل ! حتى ليصدق عليهم أنهم ( قوم خصمون ) , لا يقفون عند نقطة , ولا يقتنعون ببرهان , وكل ما فعل خصمهم فهو ضلال , وهو باطل , وهو أسود , وكل ما فعله حزبهم فهو حق , وهو صواب , وهو أبيض حتى ولو فعل خصمهم ما طلبوا منه أن يفعل لجرَّحوه في فعله , ورموه بسوء القصد من عمله .
وفرق كبير بين النقد يخضع للدليل وللبراهان , وبين اللجاجة في الجدل بالتهويش والسباب والتشهير والإمعان في الخصومة .
إن الجدل للوصول إلى الحق لا يخرج الإخوان عن الصفاء , ولا يمس صداقة الأصدقاء , بل يكون الجدل أفعل في توكيد الصداقة , وتثبيت العلاقات لأن كلاً عاون الآخر . أما الجدل للغرض الباطن , فيفسد العلاقة , ويقلب الصداقة عداوة , لأنه ليس إلا وسيلة للانتقام , وشفاء الغليل .
ثم استعرض الجدل في المجالس كيف تتشعب الآراء ويطول الجدل , ويكثر الاستطراد , وكثيراً ما ينهى ذلك كله إلى غير نتيجة .
فما السر في هذه الفوضى كلها ! وهذا الجدل الطويل كله ؟ سره في قلة العقل فاقل الناس عقلاً أكثرهم كلاماً , ومن لم يحاسب نفسه على ما يقول قال مايشتهي .
وسره في عدم ضبط النفس , فالنفس إذا لم يكن لها ضابط من عقل وحكمة شردت وذهبت كل مذهب.
وسره في عدم تقويم الزمان , فلا بأس عند الناس أن نضيع الساعات في كلام فارغ , وجدل تافه , فهم يتفكهون بهذا كما يتفكه بعض الناس بلعب الكرة .
وسره في تشتت العقلية , فالتفاهم إنما يكون حين تتقارب العقلية , ولكنك تنظر فترى أميين بجانب متعلمين وهؤلاء المتعلمون لا وحدة بينهم , منهم من تعلم في الخارج فأصبحت ثقافته غربيه ومنهم تعلم في الداخل فأصبحت ثقافته محليه , كل ذلك من غير أن يكون هناك دعامة متحدة من ثقافة إسلامية ، ثم الفروق التي تنتجها معيشة الطبقات في العقلية ؛ فعقلية الطبقة الأرستقراطية غير طبيعة الطبقة الكادحه , وهكذا تمزقت الأمة كل ممزق , فلم يعد وحدة في العقلية , ولا وحدة في المزاج .
فإن كنت عاقلاً فوفر على نفسك الجدل فيما لا طائل تحته , واقتصد من وقتك وتوارث نفسك , فإن من أهم الأسباب في خلق الأرض واسعة والسماء فسيحة أن نهرب حيث نشاء من الجدل العقيم .
يقول أحد الحكماء : العقل كالبحر كلما إزداد عمقاً قلت ضوضاءه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
منقول للفائدة


التعديل الأخير تم بواسطة الحسام العنزي ; 04-13-2014 الساعة 09:48 PM سبب آخر: تنسيق
ناشي العنزي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس