وكانت الدولة الفارسية قد شجعت هبة الله على المطالبه بمنصب ابن أخيه فرج الله وبعد ذلك عزلت فرج الله .. وكان سبب تشجيعها للتنافس بينهما هو حتى لايتمكن فرج الله من العودة الى منصبه حيث أن انصاره سوف ينقسمون بينه وبين عمه ، كما أن أسرتهم (المشعشعية) سوف تنقسم أيضا ، يذكر د. محمد الزبيدي ، في كتابه امارة المشعشعين – أقدم امارة عربية في عربستان ، عند حديثه عن والي الحويزة فرج الله ، ص: 30 (((نافسه في ذلك عمه السيد هبة الله بن خلف وابن اخيه السيد علي بن السيد عبدالله على الحكم. وقد شجعت الحكومة الصفوية هذا التنافس وبثت الفرقة بينهم))).
لذلك جهز حاكم مملكة المنتفق حملة كبيرة ضد والي الحويزة الجديد ، وأنضم للحملة أنصار الوالي السابق فرج الله ، وبعد معركة فاصلة تمكن حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب من إسقاط والي الحويزة الجديد المعين من قبل الدولة الصفوية ، وتمكن من إعادة دخيله فرج الله الى منصبه وبالقوة العسكرية. يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 4 ، ص: 51 ((( عزل فرج الله فطلب الحماية عند مانع ثم شن بمساعدة المنتفق حملة ضد عمه هيبة (الله). فتصدى له هيبة الله بواسطة قبائل الحويزة، آل كثير وآل خميس و آل فضول (بني لام) ، ولكن دون جدوى . ودخل فرج الله الحويزة منتصرا))).
لم يستمر فرج الله بمنصبه طويلا حيث ارتكب خطأ سياسي فادح أدى الى إشتعال القتال بينه وبين ابنه عبدالله ، حيث أن والي الحويزة فرج الله قرر بعد عودته للحويزة إرسال ابنه عبدالله للشاه حاكم الدولة الصفوية والتمهيد لإبنه لوراثة ابيه في ولاية الحويزة بموافقة الشاه ، لكن فرج الله غير رأيه وقرر عدم توريث الحكم لإبنه ، وهو ما استغله الشاه ضده ولتصفية الحساب معه ، لذلك دعم الشاه الابن عبدالله ضد ابيه فرج الله ووقعت بينهما معركة كبيرة أنتهت بهزيمة فرج الله وأسره ، وتولى بعدها عبدالله على الحويزة في عام 1114هـ - 1702م. يذكر د. محمد الزبيدي ، في كتابه امارة المشعشعين – أقدم امارة عربية في عربستان ، ص: 30 ((( عندما كان السيد فرج الله واليا أرسل ابنه المولى عبدالله الى اصفهان لمفاوضة الشاه في ولاية الحكم بعده في الحويزة. ولكن المولى فرج الله كان قد عدل عن تعيين ولده بعده فدب النزاع بينهما فتطور الى حرب طاحنة انتهت بانتصار الابن المولى عبدالله وهزيمة السيد فرج الله واسره. وبذلك استتب الحكم لعبدالله))).
15- مملكة المنتفق بعد وفاة حاكمها الأمير الشريف مانع بن شبيب:
توفي حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب عام 1703م وخلفه بالحكم ابنه الأمير مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب (عم الأمير سعدون بن محمد بن مانع الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا). ولقد ترك الأمير مانع بن شبيب خلفه ذرية صنعت أهم الأحداث في تاريخ العراق ، وحاربت دول كبرى مثل العثمانيين والفرس والإنجليز ، ودخلت في صراع عسكري وسياسي واقتصادي كبير مع العثمانيين. ونذكر هنا بشكل موجز بعض أبرز الأحداث في الفترة التي تبعت وفاة الأمير مانع بن شبيب وتحديدا في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ، مع الإشارة في نهاية هذا القسم الى بحث سابق يغطي الفترة مابعد وفاة الأمير مانع بن شبيب وحتى الحرب العالمية الأولى.
تمكن الأمير مغامس بن مانع آل شبيب ( عام 1704م) من إنتزاع مدينة البصرة من العثمانيين وأسس فيها حكما مدنيا وأسس المدرسة المغامسية وطرد الإنجليز من البصرة تجاريا ووقع اتفاقية تجارية مع هولندا ، وقام بإعفاء المسيحيين من الجزية في سابقة تاريخية في العراق ، وفي عام 1708م واجه الدولة العثمانية بأكبر جيش يواجهها تاريخيا في العراق والجزيرة العربية ( 100 ألف مقاتل أكثر من نصفهم من القبائل الخاضعه لحكمه المباشر) ، وانضم لجيشه قوات من قبائل العراق الأخرى التابعة للعثمانيين ، لذلك قدر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي أن ذلك الجيش لو انتصر لإستقل العراق بأكمله منذ ذلك الوقت ، وقد أستخدمت الدولة العثمانية في تلك المعركة المدافع وهو ما رجح كفتها وأدى لإنتصارها. لقد كان وقع الفترة مابين عام 1690م – 1708م شديدا على العثمانيين حيث كادوا يفقدون العراق بأكمله في نهايتها ، وعندما نجح حسن باشا بإسترداد مدينة البصرة عام 1708م قام المؤرخ العثماني يوسف عزيز المولوي بتأليف كتابه (قويم الفرج بعد الشدة) الذي من اسمه يتضح الحال التي وصلها العثمانيين في تلك الفترة وكيف زلزل أبطال قبائل المنتفق العثمانيين وناضلوا نضال الأبطال لدرجة أن حسن باشا وهو من المماليك قيلت فيه القصائد ولقب بأخو فاطمه وهو غير عربي لكن من هول ما رأوه انقلبت لديهم المفاهيم وأصبح يعتزي مثل العرب ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي عند حديثه عن العثمانيين والفترة التي تلت معركة الأمير مغامس (1708م) والنضال البطولي لقبائل المنتفق وشيوخهم آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق وكيف أنهم جعلوا الأتراك يخافون حتى من ظل العربي في العراق ،موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 209 ((( قارعهم العرب بعدها مقارعات وبيلة، رأوا العطب منهم وصاروا يخافون من ظل العربي وخياله ومن عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة وسبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات ومقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر وأكثر))).
بدأ حاكم مملكة المنتفق الأمير محمد بن مانع آل شبيب ( ابن الأمير مانع الذي يدور حوله هذا البحث ووالد الأمير سعدون الذي عرفت الأسرة بإسمه) بسياسية تشجيع الهجرة لمملكة المنتفق وهي السياسية التي أستمرت ذريته بتبنيها تاريخيا ، وأبرز من تبناها هو حفيده الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ، وقد قتل الأمير محمد بن مانع آل شبيب في معركة مع الدولة العثمانية عام 1147هـ. وفي عام 1738م قام ابنه الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب ( الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) بالثورة ضد العثمانيين ، وطالب الدولة العثمانية بدفع الضريبة عن مدينة البصرة والتي كان العثمانيين يدفعونها سابقا لمملكة المنتفق مقابل ترك البصرة للعثمانيين ، وهدد وقتها بإنتزاع بغداد من العثمانيين في حالة عدم الإستجابه لطلباته ، وتلقب بسلطان العرب ، وقد قتل في معركة مع الدولة العثمانية وأرسل رأسه الى الخليفة العثماني عام 1154هـ ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد، ص: 81 ((( وفي سنة 1154 الوقعة المشهورة بين المنتفق وبين عساكر الترك وصارت الهزيمة على المنتفق، وقتل سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب رئيس المنتفق))).
وفي عام 1769م طلبت الدولة العثمانية التعاون عسكريا مع بريطانيا العظمى ضد مملكة المنتفق في عهد حاكمها الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( أخو الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت الأسره بإسمه ) ، ويشمل الطلب العثماني القيام بضربات عسكرية بإستخدام المدفعية وبسفن بريطانية على مدن وقرى مملكة المنتفق على طول نهر الفرات ، الا أن طلب والي بغداد عمر باشا قوبل بالرفض من قبل المستر مور ( الوكيل البريطاني في البصرة) والذي كانت تربطه علاقة جيدة بحاكم مملكة المنتفق والذي صرح بإحتمال احتلال المنتفق لمدينة البصرة وهو ما يجبره على البقاء على الحياد حفاظا على مصالح دولته ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، القسم التاريخي ، عند حديثه عن طلب والي بغداد ( عام 1769م) مساعدة البريطانيين له ضد حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد ورد الوكيل البريطاني في مدينة البصرة مستر مور ، ج:4 ، ص: 1821 ((( لكن مستر مور ... والذي كانت علاقته بعبدالله شيخ المنتفق علاقة ودية دائما ، والذي كان أيضا ماتزال له أموال متأخره عند متسلم البصرة – راوغ في اجابة هذا المطلب متعللا بأن السفن البريطانية الكبيرة لاتستطيع أن تقوم بعملها في مجرى الفرات . وذكر الوكيل أيضا أنه كان محتملا أن تستولي المنتفق على مدينة البصرة نفسها ... وكان هذا في ذاته سببا آخر يحمله على زيادة التمسك بالحياد))).
وفي الفترة ما بين 1775م – 1779م شاركت مملكة المنتفق في الدفاع عن البصرة ضد الدولة الفارسية، ولكن والي بغداد قرر تسليم المدينة للفرس بعد حصار دام سنة ، وهو ما أدى الى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولة الفارسية ومملكة المنتفق التي وجدت نفسها وحيدة أمام القوات الفارسية. وقد أرسل الفرس حملتين عسكريتين كبيرتين تم إبادتهما بالكامل من قبل قوات مملكة المنتفق بقيادة حكام مملكة المنتفق الأميران ثامر بن سعدون بن محمد آل شبيب وثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب ، وكانت خسائر الدولة الفارسية في الحملتين ما يقارب 24 ألف مقاتل وتلك كانت أكبر خسارة تتلقاها الدولة الفارسية من العرب في العراق ، وقد قتل في المعركة الثانية اخوان حاكم الدولة الفارسية من الأسرة الزندية ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن هزيمة الفرس في المعركة الثانية، ص: 93 ((( وتقاسمت بالكيل الدراهم، واوتدوا البيوت بالصوارم، ووفدت الشعراء على ثويني وثامر، فأجيزوا عن القصائد بالجواهر، واستبشر أهل بغداد والبصرة، بعظيم هذه الدولة والنصرة، وقتل محمد علي خان وسر بقتله أهل الايمان، وممن حضر ذلك اليوم وشكر مشهده من اولئك القوم حمود بن ثامر وهو شب فاوقد الوطيس بصارمه وشب، ومحمد بن عبدالعزيز ابن مغامس، فكر كرة الأسد الدماحس وشبان وشيب من المنتفق والشبيب))).
وفي عام 1787م قام الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب (ابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) بأول إعلان لإستقلال العراق بأكمله وذلك بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين كما تم شرحه في القسم العاشر من هذا البحث (بعنوان: 10.2- أبرز أعمال حكام مملكة المنتفق في البصرة في فترة لاحقة - عام 1787م) ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث)، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبد الله، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية، مختصر الشيخ أمين الحلواني، ص: 281 (((فوصل البصرة، فأخذه الغرور وحدثته نفسه أن يملك العراق أجمع، فحاصر البصرة حتى ملكها))). ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بالسنة التالية بتوحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ما سعى اليه وهو ما شكل سابقتين في تاريخ العراق ، وعلى الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين ، الا انه أختار الطريق الأصعب وصناعة التاريخ بحدث لم يسبقه أحد اليه ولم يكرره أحد بعده. ولقد كان إنشقاق الأمير حمود بن ثامر قد فوت على عمه الأمير ثويني فرصة النجاح بشكل كامل في الإستقلال بالعراق وطرد الأتراك منه.
وفي عام 1813م تمكن الأمير حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب من فرض نفوذه على كامل العراق في الفترة ما بين 1813م و1817م ، وذلك بعد هزيمته لوالي بغداد ومن ثم أسره للوالي ونائبه وإعدامهم في عاصمة مملكة المنتفق. وقد بدأت الأحداث عندما استجار به أحد المماليك ( عرف بسعيد باشا لاحقا ) واستجار به أيضا قاسم بيك ، ورفض الأمير حمود بن ثامر تسليمهما لوالي بغداد ، لذلك جهز والي بغداد حملة عسكرية كبيرة ضد مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق، عند حديثه عن والي بغداد ، ص:31 (((ولهذا أمر بتجهيز فيلق من الجنود المعلمه (المدربة) وتمكن من جمع مايتجاوز ثلاثين ألفا من الجنود ، وأكمل مهماتهم وسيرهم ، ومعهم أضخم المدافع فتوجهوا عن طريق الحلة والسماوة))). ثم أرسل والي بغداد أمرا للقبائل العربية التابعة للعثمانيين في ولاية بغداد بمساندة الجيش العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر لأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، عند حديثه عن والي بغداد عبدالله باشا وطلبه لسعيد وقاسم بيك ثم جمعه للقوات العثمانية والقبائل العربية التابعه له، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 336 ((( فأرسل عبدالله المذكور الى حمود وطلب منه أن يبعث بهم اليه ، فأبى ذلك ومنعهم ، ثم ان عبدالله جمع العساكر من الروم وعقيل ، ومن بوادي شمر وغيرهم من أهل العراق ورئيس البوادي بنية بن قرينيس الجربا ، ثم جمع حمود بن ثامر جميع المنتفق وجميع أتباعه ))).وقد أنتهت المعركة (معركة غليوين) بهزيمة كبيرة جدا للعثمانيين فقد تشتت الجيش العثماني و تم أسر والي بغداد ونائبه وشيخ عقيل ، بالإضافة الى مقتل شيخ ربيعة وشيخ الخزاعل ومقدم القشعم ، وقد هرب مشايخ القبائل الأخرى الموالين للعثمانيين وتركوا جنودهم في ساحة القتال.
لقد كانت معركة غليوين واحدة من أعظم الإنكسارات العثمانية أمام العرب تاريخيا ان لم يكن أعظمها على الإطلاق ، حيث تم إقتياد والي بغداد ونائبه مكبلين بالسلاسل الى السجن في عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) وبعد سجنهم توفي الأمير برغش بن حمود بن ثامر السعدون والذي كان مصابا في المعركة ، لذلك ذهب عمه الأمير راشد بن ثامر السعدون الى السجن وقتل والي بغداد ونائبه خنقا بالحبال وذلك إنتقاما لوفاة ابن أخيه ، وبعد دفنهم رجع الأمير راشد بن ثامر السعدون وأخرجهم وعلق رؤوسهم أمام الناس. ثم سار حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون الى بغداد واحتلها عسكريا ، وقام بفرض تعيين دخيله سعيد كوالي لها ( كان عمر سعيد وقتها 20 سنة ) وبعد فترة وصل فرمان عثماني بالقبول بسعيد كوالي لبغداد وهي أكبر إهانة تلقتها الدولة العثمانية في العراق من العرب ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3 , ص: 285 ((( فدخل حمود الى بغداد مع سعيد الذي كان في حمايته , وكان هذا نصرا لآل سعدون لا مثيل له . لم يكن سعيد مؤهلا لمنصبه , فلم يكن عمره سوى واحد وعشرين عاما ولم تكن لديه أي خبره في ادارة شؤون الدولة ))).
وقد فرض آل سعدون نفوذهم على كامل العراق منذ تعيينهم لسعيد باشا (عام 1813م) وحتى إعدام سعيد باشا من قبل العثمانيين (عام 1817م) ، وهو ما لم تتمكن أي أسرة أو قبيلة أو امارة في العراق من فعله طوال الحقبة العثمانية ، يذكر فرض الأمير حمود بن ثامر لنفوذه على كامل العراق المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص:660 ((( وجرح برغش بن حمود . ثم : أنه مات وقتلوا عبدالله باشا وسار حمود وجه اسعد لبغداد , وملك العراق ورجع ))). ويذكر كاظم فنجان الحمامي ، في مقاله : بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم ، عند حديثه عن معركة غليوين (((واستمرت المعركة لعدة أيام, انتهت بالنصر المؤزر لصالح المنتفك, الذين بسطوا نفوذهم السياسي والقومي على العراق كله, من شماله إلى جنوبه))).
لمزيد من التفاصيل عن الأحداث في الفترة التالية لوفاة الأمير مانع بن شبيب يمكن الرجوع للبحث التالي (آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م) وهو البحث الذي يستند الى أكثر من سبعين مرجع تاريخي (الكثير منها معاصر للأحداث) ،ويغطي الأحداث بشكل موجز منذ العام 1668م وحتى العام 1775م ، ثم يغطي الأحداث بشكل مفصل منذ العام 1775م وحتى العام 1797م ، وأخيرا يغطي الأحداث بشكل موجز من عام 1797م وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م ، الرابط التالي:
http://www.bnabar.com/vb/showthread.php?t=7248
16- ملحق1:البصرة وماتدفعه الدولة العثمانية تاريخيا لحكام مملكة المنتفق في مقابل عدم المطالبة بها:
في هذا الملحق نتحدث عن بعض الإشارات التاريخية لما كانت الدولة العثمانية تدفعه لحكام مملكة المنتفق في مقابل عدم المطالبة في البصرة والذي أصبح يدفع لاحقا في مقابل حماية المدينة ، كانت أولى الإشارات التاريخية في عهد الأمير مانع بن شبيب آل شبيب كما ذكرنا في الفصل التاسع من هذا البحث (بعنوان: مخاطبة الخليفة العثماني لحاكم مملكة المنتفق والدفع ماليا له مقابل ترك البصرة بعد هزيمة القوات العثمانية وإهانتها) . ثم وردت إشارة أيضا لما كانت تدفعه الدولة العثمانية في عام 1738 م عندما قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب ( الذي عرفت الأسرة بإسمه لاحقا) بإسقاط حكم ولد عمه الأمير منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب ومن ثم قام بالسيطرة على كامل مناطق مملكة المنتفق من الحلة وحتى الخليج العربي وقام بإرسال جيش لمحاصرة مدينة الحلة وجيش أخر لمحاصرة البصرة، وطالب الدولة العثمانية بدفع الضريبة عن مدينة البصرة والتي كان العثمانيين يدفعونها سابقا لمملكة المنتفق مقابل ترك البصرة للعثمانيين والتي يبدو أن ولد عمه الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب (حاكم مملكة المنتفق السابق ومنافسه على الحكم) لم يستطع المطالبه بها وذلك لضعفه وموالته للعثمانيين، وقد هدد الأمير سعدون وقتها بإنتزاع بغداد من العثمانيين في حالة عدم الإستجابه لطلباته، وتلقب بسلطان العرب، يذكر د. علي الوردي، في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج:1، ص: 116 (((في عام 1738 م ثار الأمير سعدون شيخ المنتفق ومعه عشرة الآف مقاتل، ونزل موضع بين النجف والكوفة وأخذ يتحكم في الناس قائلا : (أنا السلطان في هذه الديار. وماشأن أحمد باشا وما السلطان ؟ اني ان شاء الله آخذ بغداد واحكم فيها بالعدل). ثم أرسل قوة لمحاصرة الحلة، وأخرى لمحاصرة البصرة وقال عن البصرة أنها ملكهم وانهم كانوا يأخذون منها الأتاوة كل سنة وليس للروم فيها – أي الترك – أي حق فيها. استمر سعدون في حركته زهاء أربع سنوات واستطاع أن يسيطر على مناطق واسعة من الفرات الأسفل والأوسط، وفرض الأتاوة على المسافرين فلم يسلم منه حتى وكلاء الشركات الأنكليزية والفرنسية في البصرة))).
وفي الفترة ما بعد سقوط دولة بني خالد (1208 هـ - 1794 م) أصبحت البصرة مهددة بغزوات الدولة السعودية الأولى ولذلك بدأت الدولة العثمانية تطلب من مملكة المنتفق حماية مدينة البصرة مقابل ما تدفعه لها، يذكر الرحالة دوبريه (زار العراق ما بين 1807 م – 1809 م) عند حديثه عن القبائل في العراق، كتاب رحلة دوبريه إلى العراق (1807-1809)، ص:120 (((ان المنتفكيين دون غيرهم وهم أقوياء وموضع سكناهم بالقرب من البصرة: هؤلاء لايؤدون ضريبة سنوية، بل يستلمون مبلغا مقداره ثمانية وعشرون ألف قرش لقاء قيامهم بحماية هذه المدينة من غزوات الوهابيين))). ولم تكن الدولة العثمانية هي الوحيدة التي تدفع مقابل حماية مدينة البصرة بل أن سكان البصرة كانوا يدفعون نصف محصولهم لمملكة المنتفق مقابل الحصول على الحماية، يذكر الرحالة أبي طالب خان (زار العراق في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر)، كتاب رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوروبة، ص: 285 (((وسكان البصرة قلقون دائما من العرب الجوالين الرحالين وقد التزموا أن يؤدوا نصف غلات أرضهم إلى قبيلة (المنتفك) التي وعدت أن تدافع عنهم أعداءهم))).
17- ملحق2: نبذه موجزه عن أسرة السعدون ومملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق:
تعتبر أسرة السعدون (التي كانت تعرف بـ آل شبيب سابقا) أبرز أسرة عربية ظهرت بالعراق في الأربع قرون السابقة للحرب العالمية الأولى ، فقد أسست دولة عربية في العراق وهي مملكة المنتفق والمشهوره لدى العديد من الكتاب المتأخرين بإمارة المنتفق مابين 1530م – 1918م ( التي كانت تشمل كل الجنوب العراقي – باستثناء مدينة البصرة التي تبادلت السيطرة عليها مملكة المنتفق و العثمانيين - ومناطق واسعه من وسط العراق ، وكانت تشمل في عصرها الذهبي (مابين 1668م – 1853م) مايقارب نصف العراق وكل البادية العراقية الممتدة من شمال الأحساء وعلى حدود نجد الشمالية وصولا الى شمال السماوة) ، يذكر المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ، في كتابه القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , مناطق حكم آل سعدون (مملكة المنتفق) وهي لواء السماوة ولواء المنتفق (قلب مملكة المنتفق تاريخيا وماتبقى منه يسمى محافظة ذي قار حاليا) وأبو الخصيب ولواء العمارة ولواء البصرة ، ص: 177 (((آل السعدون أصلهم من الحجاز فقد هاجروا إلى العراق في أوائل القرن العاشر وحكموا المنتفق، وهم ينتسبون إلى جدهم الأعلى سعدون بن الشريف محمد وينتهي نسبهم إلى الأمام علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-....كانت لهم امارة انتشرت رقعتها ونفوذها حتى اصطدمت هي والنفوذ العثماني مرات عديدة... ومن أطرف مايذكر عن آل السعدون أنهم أول من فكر في تأسيس حكومة عربية تعيد مجد العرب, ولآل السعدون فضل في رد الفرس عن العراق أكثر من مرة, كما حارب آل السعدون الأحتلال الإنكليزي بقيادة أعجمي السعدون.... وآل السعدون كانت لهم أمارة كبيرة تضم السماوة والمنتفق وأبو الخصيب والعمارة والبصرة))). يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، وذلك عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين. وقد كانت هذه الأسرة العربية الكريمة أول من بعث الفكرة العربية من مرقدها في العراق الحديث ،وحمل راية النضال من أجلها بالدم والحديد في وجه الأتراك والايرانيين، بعد أن دثرت وانطمست مآثرها على أيدي المغول الأثيمة. والحق أن تاريخ العثمانيين في العراق ،خلال الحقبة الطويلة التي حكموا فيها، كان تاريخا حافلا بالغزوات والحملات التي كان يجردها الباشوات المتعاقبون في بغداد لتأديب الثائرين من آل سعدون في الجنوب والمتمردين من آل بابان في الشمال. وان دل هذا على شي فانه يدل على أن العنصرين الكبيرين الذين يتألف منهما العراق في يومنا هذا كانا يقفان أبدا ودوما في وجه الحكم الأجنبي والتسلط الغريب. وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ،تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))).
وهذا رسم يحاكي علم مملكة المنتفق والمسمى – وارد:
يذكر هذا العلم وأيضا إمتداد مملكة المنتفق في عصرها الذهبي ( 1668م - 1853م ) وأراضيها النهرية والبرية المؤرخ الشيخ علي الشرقي وذلك في هامش كتاب تاريخ المنتفق لسليمان فائق (أحد كبار موظفين الدولة العثمانية بالقرن التاسع عشر) ، ص: 9 (((و أما النهرية فكانت تشمل كل شط العرب مصعدة في الفرات الى ماوراء "السماوة" عند "سدرة الأعاجيب" ومادة في دجلة الى ماوراء "العمارة" ... أما الجهة البرية فكانت كما ذكرنا كل بادية العراق بحدودها الحالية محروسة بنفوذ آل سعدون ، ومن قبلهم بنفوذ أجدادهم آل شبيب ، ويرفرف عليها العلم العراقي المعروف باسم "وارد"))).
وقد تقاسمت أسرة السعدون النفوذ بالعراق مع الدولة العثمانية (في جنوبه وأجزاء من وسطه لأسرة السعدون وفي شماله وأجزاء من وسطه للدولة العثمانية بالإضافة للصراع المستمر حول مدينة البصرة بين الطرفين) مما أدى إلى الإصطدام بين الطرفين في الكثير من المعارك .. حيث اتبعت الدولة العثمانية العديد من السياسات للقضاء على مملكة المنتفق وحكامها آل سعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) ، يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون، ص: 23 (((وموقف آل سعدون في نصف العراق وفي كل بادية العراق جلب اهتمام الباب العالي وحول اتجاهه إلى هدم تلك الامارة فكانت مهمة القواد والولاة الاتراك ضعضعة الامارة السعدونية ومناوئتها. كل بدوره وحسب دائرة اختصاصه هذا بالحركات العسكرية وهذا بالتحفظات السياسية وهذا بالشروط المالية وهذا بإقتطاع اطراف بلاد الامارة وإنترائها من آل سعدون))). يذكر مملكة المنتفق و قبائلها والأسرة الحاكمه فيها (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ويقارن أهمية اتحاد قبائل المنتفق (اكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) ، اتساع مملكة المنتفق وحدودها (الشمالية والشرقية) وذلك عن حديثه عن حاكم مملكة المنتفق (مابين عام 1668م – 1703م) الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وعن نفوذه ومناطق حكمه بالعراق وخارجه ويقارن هذا النفوذ بنفوذ الحكام الأتراك في بغداد وشمال العراق ويبين كيف أن الأمير مانع يفوقهم نفوذا ، ص: 150 (((ولم يدر في خلد أي باشا غريب أن يأمل نفوذا شاملا مثل نفوذه. فقد امتلك قسما من عربستان، وكان مسيطرا على ما بين دجلة وعربستان من سهول وأهوار، وأطاعته بدرة وجصان ومندلي، وقد غطت سطوته يومئذ على سطوة الحويزة، اما على الفرات فقد استولى على العرجة والسماوة والرماحية))). علما بأن الأمير مانع بن شبيب حاكم مملكة المنتفق كان قد انتزع مدينة البصرة من العثمانيين ثلاث مرات أخرها لمدة تقارب الأربع سنوات ولم تستطع الدولة العثمانية أن تستردها منه الا بعد تعاونها مع الدولة الصفوية ضده في سابقه تاريخيه بين الدولتين العظميين العثمانية والصفوية ، واللتين اضطرتا للتعاون ضده وذلك للحد من نفوذه. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية ، حدود مملكة المنتفق (الجنوبية والغربية) في نفس الفترة التي ذكرها ستيفن لونكريك ، , ج1 ، ص: 39 (((وماكاد يحل القرن الثاني عشر حتى انتشرت الفوضى في نجد وعم الانقسام , وتوسعت الفرقة , وتفرقت الكلمة , وتعددت الامارة والمشيخات , فكانت الأمارة في العيينة لآل معمر , وفي الدرعية لآل سعود , وفي الرياض لآل دواس , وفي الأحساء لبني خالد , وفي نجران لآل هزال , وفي حائل لآل علي , وفي القصيم لآل حجيلان , وفي حدود نجد الشمالية وجنوب العراق لآل شبيب))). وهذه صورة توضح حدود مملكة المنتفق في تلك الفترة مع علم مملكة المنتفق:
ومن الناحية الإقتصادية ، فقد كانت أسرة السعدون تسيطر على الحركة الملاحية التجارية في أنهار دجلة والفرات في مناطق حكمهم في جنوب ووسط العراق (مملكة المنتفق)، يتحدث المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عن إقتصاد مملكة المنتفق , ج3, ص: 624 (((يضاف إلى ذلك عائدات ضخمة من الجمارك. كان يوجد على الفرات في القرن الثامن عشر نقطة جمركية مقابل نهر عنتر وأخرى في عرجة. وكانت هذه تابعة لفرع الصالح من عائلة الشيوخ. وفي القرن التاسع عشر أصبحت جمارك الفرات تجبى في سوق الشيوخ، وكانت تؤجر إلى جانب ضرائب أخرى في الناحية بمبلغ 50000 شامي. وكان جمرك دجلة، الذي كان مركزه موجودا في زكية فوق القرنة، يؤجر بمبلغ 12000 شامي، وكانت الضريبة العقارية في ناحية زكية تجلب مبلغا مماثلا))).